تظل الحرب الأهلية اللبنانية حاضرة بكل ثقلها، ليس فقط في ذاكرة من عايشها أو في توابعها على السياسة والحياة اليوم في لبنان، بل وكذلك ما زالت موضوعاً حتى لدى الفنانين الشباب الذين لا يذكرون منها الكثير ولم يعايشوها، أو لم يكونوا في البلاد خلال سنوات اشتعالها.
تقدّم الفنانة غيدا حشيشو عند الثامنة والنصف، غداً وبعد غدٍ محاضرة أدائية، ضمن مهرجان "سيتيرن بيروت" الذي يتواصل حتى نهاية الشهر الجاري، تعود خلالها إلى منطقة المتحف وما عاشته من تقلبات، إذ تحولت إلى نقطة تماس وحاجز يتمركز حوله القناصة.
أتى في بيان العرض: "بين نقطتَي تفتيش يظهر نوع من الكوريغرافيا. تشكيلات مكانيّة متغيرة تملي حركات معينة أو تقيّدها. هل يمكن لحركةٍ مرسومة أن تغير هذا الفضاء في المقابل؟"، إذن نحن أيضاً أمام عرض كريوغرافي نوعاً ما، وبطله هو المكان والزمان، هو الحرب، وكنا قد شاهدنا حشيشو سابقاً في عرض "ملامح الغياب" الراقص عام 2015.
يضيف البيان: "يستكشفُ هذا العمل من خلال محاضرة أدائية الحركيّات المكانية لمعبر منطقة المتحف وتحوّلها المستمر خلال الحرب الأهلية اللبنانية حتى العام 1987، عندما قامت مظاهرة منظمة بتفكيك تلك الحدود ليوم واحد".
إذن سوف تعود حشيشو لليوم الذي لا يتحدث عنه كثيرون، ففي زمن الحرب تبدو محاولات السلام قابلة للنسيان بسرعة، رغم أنها مبادرات شجاعة في تلك السنوات الممتلئة بالعنف والقتل، وعلى ذلك الحاجز الدموي بالتحديد. فماذا حدث عام 1987؟
إنه يوم من أيام تشرين الثاني/ نوفمبر من تلك السنة، وصلت "حركة السلام" التي دعت إليها النقابات اللبنانية إلى ضرورة القيام بتظاهرة ضخمة تشترك فيها كل المنظمات والحركات والنقابات. بالفعل وصل 60 ألف متظاهر إلى منطقة المتحف وهتفوا بشعارات توحيد الغربية والشرقية وإيقاف الحرب.
لم تكن هذه المظاهرة الضخمة وليدة الصدفة، بل سبقتها عدة مظاهرات وتحركات شبيهة، بل إن حملة مناهضة الحرب بدأت في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 1975، ثم نظمت حركة "النساء ضد الحرب" عام 1985 مسيرتي احتجاج انطلقت من المتحف باتجاه القصر الجمهوري، ومجلس النواب، وكذلك قامت مجموعة من مُعوَّقي الحرب بمسيرة على العكازات والكراسي المتحركة انطلقت من طرابلس إلى بيروت.
لهذا الزمن ولتحركات السلام ولحظة تفكيك نقطة التماس عند المتحف، تعود حشيشو في عرضها غداً وبعد الغد.