تبثّ وسائل الإعلام في هذه المناسبة مقتطفات من خطابات الرئيس الذي وصل إلى الحكم مع الضباط الأحرار في 23 تموز/ يوليو 1952، وتصدر عملة تذكارية باسمه، وربما يشيّد تمثال له في ميدان التحرير وترفع صوره في المؤسسات الحكومية.
يصر النظام وأذرعه الإعلامية على تقديم صورة مجتزأة لعبد الناصر، حيث التركيز على انتمائه إلى المؤسسة العسكرية ما يضعه ضمن سياق يبتدئ من الفرعون المحارب مينا وينتهي بالضرورة بالسيسي، وأن أي رئيس يأتي من خارج الجيش لا يمكنه حكم مصر كما أثبتت الوقائع التاريخية إلى اليوم.
ولا يرى المتحدّثون المقرّبون من السلطة ومعهم قوى سياسية قومية ويسارية، في الخطاب الناصري سوى معاداته لحركات الإسلام السياسي، باعتباره دليلاً على صحّة وشرعية موقفهم الحالي، متغافلين عن أهمّ ما صاغ به الرئيس المصري الأسبق مشروعه السياسي بالعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والذي تخلّت عنه جميع الحكومات من بعده عبر مشاريع الخصخصة وبيع القطاع العام.
ربما تجدر الإشارة هنا إلى المشاريع الثقافية الكبرى التي تأسّست في عهد عبد الناصر، التي تراجعت جميعها وفقدت معنى حضورها اليوم مثل قصور الثقافة التي عمّمت الأدب والفن في المدن والقرى البعيدة، وصدور سلاسل الكتب في الفكر والمسرح والآداب المترجمة، ودعم الإنتاج السينمائي والمسرحي والتشكيلي وإنشاء أطر أكاديمية لها.
الانتقاد الأساسي الذي وجّه لتلك الحقبة تمثّل في قمع الحريات ومنها حرية الرأي والتعبير، لكن المفارقة اليوم أن المشهد الثقافي المصري خسر معظم بنيته التحتية والدعم الرسمي الكبير لها، في وقت صادرت فيه السلطات أيضاً حق الاختلاف معها عبر إقصاء المعارضين لها وتخوينهم.
وعلى هذا المنوال، يجري اخترال المئوية ببرنامج هزيل يتضمّن خمس جلسات في سبع ساعات يحتضنها "المجلس الأعلى للثقافة" تحت عنوان "مشروع عبد الناصر- رؤية مستقبلية"؛ الأولى حول "المشروع السياسي" ويشارك فيها كمال شاتيلا، ومحمد السعيد إدريس، وأحمد حسين، والثانية عن "المشروع الاجتماعي" ويتحدث خلالها أحمد موسى بدوي، وزهير المغزازي.
تأتي الجلسة الثالثة بعنوان "المشروع الاقتصادي" بمشاركة إبراهيم نوار، ومحمد عبد الشفيع عيسى، والرابعة حول "المشروع الثقافي" ويتحدث خلالها يوسف القعيد، ومحمد الخولي، ونبيل عبد الفتاح، وتختتم بجلسة خامسة عن "المشروع القومي" ويشارك فيها معن بشور وأحمد يوسف أحمد وعبد الله الحويحي.
رؤية مستقبلية أبقت منزل جمال عبد الناصر في حي منشية البكري في القاهرة مهملاً منذ عام 1990 حتى بدأت أعمال الصيانة فيه قبل أعوام قليلة لتحويله إلى متحف، ولم يُنجز إلا في أيلول/ سبتمبر الماضي استعداداً للاحتفالية التي تشتمل على زيارة إليه، والتقاط الصور التذكارية وإلقاء خطب سياسية تمجّد الحكم الحالي بوصفه وريثاً للناصرية ومجدّداً لها.