داوود أولاد السيد: بين البحر والصحراء

12 مارس 2017
(فوتوغرافيا لـ داوود أولاد السيد)
+ الخط -

يرى المخرج المغربي والفوتوغرافي داوود أولاد السيد (1953) أن السينما ليست سيناريو أو حكاية بالضرورة، بل لغة بصرية أقرب إلى لغة الشعر، وأن ما يشغله الآن مونتاج فيلمه الجديد "كلام الصحراء"، وإخراج فيلم عن صحراء عُمان.

يشير أولاد السيد لـ"العربي الجديد" - الذي زار عُمان مؤخراً للمشاركة في "الملتقى الأول لسينما الصحراء" في مسقط، بفيلمه "باب البحر" - إلى أن هناك "أخطاءً فنية في الفيلم، كان يمكن تلافيها، لكن الفكرة تبقى في أنني لم أصوّر فيلماً عن الهجرة، بل عن حلمٍ بالهجرة، انطلاقاً من الصحراء، فالعمل يحمل ثيمة الانتظار، من خلال حكاية سيدة قلقه وغامضة وحالمة يتعاطف معها المشاهد، بصرف النظر عما إذا كانت ستحقّق حلمها من عدمه".

وحول رؤيته السينمائية، يقول: "المهمّ في السينما هو الأسئلة، والبطء في معالجة هذه الأسئلة، وهو خياري الشخصي على أية حال"، كاشفاً في الوقت نفسه عن فيلمه الجديد "كلام الصحراء"، والذي انتهى من تصويره في الجنوب المغربي، وهو حالياً في طور المونتاج: "يجمع الفيلم ثلاث قصص في قصة واحدة، بينهما خيط مشترك، تدور حول البحث عن الذات".

حين تصبح الذاكرة أشبه ببكرة فيلم روائي طويل، يعود بنا صاحب "الذاكرة المغرة" (1991)، إلى جذوره "الصحراوية"، ومكانه الأثيري الأول الذي يُمثّل له: "فضاءً جميلاً مطرّزاً بالصمت والحركة، أحاول من خلاله توظيف الألوان والموسيقى التقليدية والغناء والأزياء وغيرها عبر الإحساس بها، كما يوظّف الشاعر إحساسه بالقصيدة، وليس لديّ هم آخر أو رسالة ما أقدّمها في أفلامي، فأنا أرفض ذلك"، على حدّ قوله.

ويضيف صاحب "عود الريح" (2001)، المسكون بوجوه الناس البسطاء، الذين عكَس وجوههم فوتوغرافيا، بأنه في اشتغاله السينمائي يواصل نفس "العود"، بصفته "سينمائي الهامش"، كما وصفه صديقه الناقد السينمائي حميد تباتو ذات مرّة.

يستعيد أولاد السيد طفولته في حي شعبي في مراكش: "بقت تلك البصمة عالقة في ذاكرتي، فأنا لا أعرف كيف أصوّر الناس البرجوازيين، ولا تعنيني الديكورات الباذخة في الأفلام، بل البسيطة والعادية، وأفضّل لو كانت طبيعية، كما طبيعة الصحراء والأحياء الشعبية، ويبقى الإحساس والحنين إلى طفولة الفنان هو ما يشغلني دائماً".

ويعترف مخرج "بين الغياب والنسيان" (1993) بأنه لن ينسى فضل العديد من أصدقائه، الذين لولاهم لاتخذت حياته ربما سياقاً آخر؛ أوّلهم المصور الفرنسي كارتييه بريسون الذي دفعه إلى التصوير الفوتوغرافي أو بمعنى أدقّ إلى اكتشاف بلده المغرب، وهو الذي جاء من خلفية علمية وأكاديمية (تخصّص فيزياء ورياضيات)، وكذلك السينمائي جون كلود كارييه، الذي بعد أن أعجب بألبوم صوره "مغاربة"، اقترح عليه دراسة السينما، ومن هناك بدأت رحلته السينمائية التي كُلّلت إلى حدّ الآن بعشرة أفلام بين قصيرة ("كاريكاتور" و"باريس"- 1989) وروائية ووثائقية.

ويواصل حديثه عمّا سماها الصدفة التي جعلت منه مخرجاً سينمائياً، حين تعامل مع اثنين من رفاق الدرب، اللذَين كتبا له العديد من سيناريو أفلامه، أوّلهما المخرج أحمد البوعناني، الذي أنجز معه خمسة أفلام، هي: "الذاكرة المغره"، و"عود الريح"، و"بين الغياب والنسيان"، و"الواد"، و"باي باي السويرتي"، أما رفيق دربه الآخر فهو السينارست والروائي يوسف فاضل، الذي أنجز معه "باب البحر" (2004)، والذي حوّله فاضل لاحقاً إلى رواية بعنوان "حشيش"، في مفارقة معكوسة في تحويل الأفلام إلى روايات وليس العكس، وهو ما فعله أيضاً بفيلم "انتظار بازوليني" (2007).

يتطرّق صاحب "الواد" (1955) في لقائه مع "العربي الجديد" إلى رؤيته لمفهوم السينما الوثائقية والسيناريو وغيرها من المفاهيم التي ترسّخت أكاديمياً، وأثّرت على طبيعة عمل الكثير من السينمائيين، وتساءل بداية عن معنى السينما الوثائقية أصلاً، فالسينما التي يبحث عنها مخرج الوثائقيات هي ليست "ريبورتاجاً" أو "تقريراً" حتماً.

ويتابع "ثمة تبسيط للفكرة، ذلك أن الفيلم الوثائقي أصعب من كل أنواع الأفلام السينمائية، إذ يشكّل في الأساس رؤيا وإبداعاً، والسينما تخلّقت أصلاً من رحم الفيلم الوثائقي، وما الأخوين لوميير مثلاً إلا صنّاع أفلام وثائقية بالدرجة الأولى، صوّرا عمّالاً خارجين من المصنع، وقطاراً عابراً؛ ما أعنيه أن السينما التي أعشقها تقع بين الوثائقي والخيالي، ويهمّني أن تكون قريبة من الناس".

جرّب أولاد السيد كتابة السيناريو إلى جانب الإخراج في فيلمه "الجامع" (2010)، وحول تجربته هذه يقول: "ترى بعض المدارس السينمائية أن السيناريو هو الفيلم، وأخرى بأنه المبرّر للفيلم؛ السيناريو بالنسبة إلي مرحلة من مراحل الفيلم وليس الفيلم ذاته، والفرق يكمن في طريقة الحكي في السيناريو، وأنا أعشق اللغة السينمائية بدلاً من الحكي، وأحاول أن أكون صاحب رؤية خارج السائد، خصوصاً السائد الهوليودي".

ويعتبر المخرج المغربي أن السينما في بلاده محظوظة حقاً، إذ يكاد يكون المغرب البلد الأفريقي الثاني في دعم السينما بعد جنوب أفريقيا، إصافة إلى تردّد مخرجين عالمين إليه بغية التصوير في جغرافيا متنوّعة أو التفاعل مع سينمائيين مغربين بغرض إنتاج أعمال مشتركة.

وأسرّ المخرج المغربي عن هواجس إخراج فيلم عن الصحراء العُمانية، وإن لم تتح له اكتشافها ضمن زيارته الأخيرة إلى مسقط، موضّحاً: "هناك اتفاق مبدئي مع الشاعر سماء عيسى، لإخراج فيلم عنها سنبحث عن تمويل له، على أن يتولّى هو كتابة السيناريو، ومن المرجّح معاينة ومعايشة أماكن تصويره في زيارة قادمة قريباً".

المساهمون