علاء بشير.. أزمنة العراق وخيالاته وأرضه الزلقة

21 يناير 2019
من معرض "خيالات الالتواء"
+ الخط -

يقول الفنّان التشكيلي العراقي، علاء بشير (1939)، إن أحداث 14 تمّوز 1958 في بغداد، كانت بالنسبة إليه مفترق طرقٍ على الصعيدَين النفسي والفكري، فقد بدّلته تماماً ولم يعُد كما كان قبلها.

يُتابع، في حديثه إلى "العربي الجديد": "رأيتُ بأمّ عيني كيف يمكن للناس، الذين كانوا عاديّين قبل يوم من الواقعة، التحوُّل إلى وحوش يَسحلون ويَسرقون".

كان السؤال الكبير في قلب وعقل الفنان هو "كيف؟"؛ كيف يمكن لوعي الإنسان وضميره الأخلاقي والعاطفي أن يتبدّل، في لحظةٍ، من إنسان عادي إلى دموي ويمكنه أن يخرج عن القانون الإنساني الذي كان بالأمس يمشي وفقه.

انعكس هذا التغيُّر العميق في ذاته على رؤيته للفن بشكل جوهري، يُوضّح: "كان "معرض الثورة"، الذي أُقيم في "قاعات النادي الأولمبي" بالأعظمية في بغداد في 20 أيلول/ سبتمبر 1958، أوّلَ مشاركةٍ لي مع فنّانين وأساتذة فنّ عراقيّين بارزين، بعد شهرين من الأحداث التي أطاحت النظام الملكي في العراق. ما شاهدتُه في ذلك اليوم وما تبعه من أحداث دموية أكثر عنفاً رفعت الغطاء عما يختبئ في النفس البشرية من روح الانتقام والشر المدمّرة، جعلني أدرك مبكراً أن الفن لم ولن يكون للمتعة، وإنما هو أهمّ وسائل التعبير الإنساني في التحريض على البحث في معنى وغاية الوجود".

يأتي حديث بشير لمناسبة معرضه "أزمنة النتوءات" الذي يحتضنه "غاليري المرخية" في "الحي الثقافي كتارا" بالدوحة الذي افتتح منذ الثلاثاء الماضي وحتى الأول من آذار/ مارس المقبل. كما يُقيم له الغاليري نفسه معرضاً آخر بعنوان "خيالات الالتواء"، في "مطافئ مقرّ الفنّانين"؛ يُفتتح غداً الثلاثاء ويتواصل حتى الرابع عشر من الشهر المقبل.

عن المعرض الأول، يقول: "منذ أن كنتُ في الكلية وأنا أقوم برسم التخطيطات... إنها أشبه بردود الفعل النفسية المباشرة التي كنتُ أرسمها على الفور. لديَّ الآلاف منها منذ ذلك الوقت، وحين تَقرّر أن أقيم معرضاً في الدوحة، فكّرنا في هذه التخطيطات، وانتقيتُ منها مئة رسمة، ثم انتبهت بالصدفة إلى أنني انتقيتُ مجموعةً تمثّل أربعة عقودٍ من عمر العراق، منذ الخمسينيات وحتى التسعينيات، أي أنها بشكل ما وثائق لأهم فترة من تاريخ العراق الحديث".

تُعرَض تلك الأعمال إلى جانب مخطوطات استمرّ في رسمها إلى اليوم. يُكمل: "هذا أول معرض يُقام في الدوحة لتخطيطات فنّان بهذا العدد؛ فهو يضمّ 88 رسمةً، والبقية سيضمّها المعرض الثاني"، والذي يشتمل على 19 لوحة تشكيلية يُشبّه بشير الفرق بينها وبين التخطيطات بالفرق بين القبلة الأولى بين حبيبَين والقبل التالية لها؛ فالتخطيط بالنسبة إليه هو أوّلُ لقاءٍ مع الفكرة؛ لقاءٌ عفوي وفوري وانفعالي، أما اللوحة فمشاعرها مختلفةٌ جرى التفكير فيها، وأخذت وقتها من التأمُّل والتغيير قبل أن تصل إلى شكلها النهائي.

فلسفة الفن لدى بشير مستمدّةٌ من كيفية فهمه دور الفنون، مستنداً إلى تاريخ وثقافة ضاربة بجذورها في حضارات الرافدَين القديمة؛ إذ يرى أن أهم ما في فنونها عدم وجود أثرٍ للتزيين فيها؛ أي أنها لا تهدف إلى التسلية والإمتاع، بل تفكّر وتتأمّل في علاقة الإنسان بالآلهة والقوى الخفية والغيبية، وبالموت والحب والكوارث. من هنا يضيف: "أؤمن بقدرة الفن على تغيير حياة الناس، واللوحاتُ والتخطيطات المعروضة إنما هي تعبير عن مفهومي الشخصي للفن".

نسأله إن كانت هناك من لحظةٍ أخرى في تاريخ العراق الحديث فعلت فيه ما فعلته لحظة 58، وماذا يريد أن يذكر من فنّه حين ينظر اليوم إلى بانوراما هذه التجربة، فيجيب: "السؤال صعب... الإنسان في علاقته بالزمن مثل من يركب القطار، ثمّة من يجلس بحيث ينظر إلى المسافات التي قطعها، وثمّة من يجلس بحيث يرى المسافات التي سيقطعها. الماضي انتهى ولا ألتفت إليه كثيراً إلّا لأتعلم منه"، ويختم: "أطلقت على المعرض "أزمنة النتوءات" لأن العراق كان في تلك العقود الأربعة أرضاً مليئة بالحفر والمنزلقات".

المساهمون