ناخبون متذبذبون

04 مايو 2018
صور مرشحين للانتخابات النيابية اللبنانية (أنور عمرو/ فرانس برس)
+ الخط -
بازار الانتخابات مفتوح على مصراعيه، ولوائح المرشحين تمسك آلاتها الحاسبة لتجمع أصوات الناخبين التقديرية. بعض اللبنانيين حسموا أمر تصويتهم لصالح الطاقم العتيق من الوجوه السياسية، ويدافعون عن خيارهم وهؤلاء هم الأصوات "المضمونة". بعضهم الآخر يتطلع نحو التغيير، صمموا على منح ثقتهم لمرشحين جدد، آملين بأن تلبي المشاريع الانتخابية طموحاتهم.

فئة أخرى تعلن عدم مشاركتها بالاقتراع لاعتبارات مختلفة، أحدها القناعة بعدم قدرة الوجوه الجديدة على اختراق آليات النظام المتمرسة بشراء الأصوات، والعزف على وتر الطوائف، واحتراف الوعود الكاذبة وقلب الحقائق وتزويرها. وهناك من هم في حيرة جدّية من أمرهم، هل يعيدون انتخاب ابن الطائفة "المجرّب" لأن مساوئه مكشوفة، أم يخاطرون في التصويت لبرنامج على قدر التطلعات ويشارك فيه المجتمع المدني رغم خوفهم من الخذلان؟

أما اللبنانيون "المتذبذبون" الذين يدّعون عكس ما يضمرون، ويتلوّنون بتلون المناطق والخطاب السائد فيها، يميلون للقوي هنا ثم ينقلبون نحو الأقوى، فهؤلاء يتماهون مع الوضع الراهن، يوحون بأنهم معارضون مع المعارضة، ويبصمون بالعشرة مع الموالاة، جهاراً أحياناً وبزلة لسان أحياناً أخرى. هذه الفئة قد يكون من الأصعب على المرشحين احتساب حجمها مسبقاً قبل يوم الانتخاب.

هذا النموذج تحديداً من المقترعين يحفزنا على التعرف أكثر إلى ذواتنا. يتركنا أمام سيل مفتوح من الأسئلة ربما لو أجبنا عنها نقترب أكثر لأن نكون مواطنين لحظة الانتخاب، وليس مجرد ورقة في صندوق. ربما يتيح لنا المجال لنناقش أنفسنا بشأن خياراتنا أمام استحقاق من هذا النوع، إن كنا نقترع من يشبهنا بالأفكار؟ أم من اعتدنا على انتخابه بحكم الأعراف والولاء الطائفي والعائلي؟ وهل نعطي صوتنا لمن يمثلنا كمواطنين؟ أم من لديه سلطة الإقناع خلال مدة قياسية بأنه سيغيّر الذي لا يتغير؟ هل لدينا الاستعداد للتغيير ولو جزئياً أم نهاب المخاطرة؟ وهل نحن أفراد نعيش في قوقعتنا التي تبدو لنا مريحة؟

كلّ ما تحتاج إلى معرفته عن انتخابات لبنان 2018 أنقر هنا

لا شك في أن الاختلاف والتنوع يضمن ديمقراطية التمثيل، والأهم حرية التعبير انتخابياً عن هذا الاختلاف والتنوع. لكن الأشخاص الذين لا تعرف لهم رأياً ولا موقفاً ولا مبدأ هم على الأغلب خارج السياق المقصود.

وكي تتأكد أنك ضمن مجموعة "المتذبذبين" أو خارجها راقب أفكارك وخطابك وابحث عن بعض المؤشرات:

- تبدأ جملتك بأنك شخص علماني، وتنهيها بالدفاع عن حصص الطوائف الكبرى والصغرى، وإن لبنان لا يمكن أن يبقى بلد التعايش إلا بالمحافظة على الوضع الطائفي القائم فيه.

- تتحدث عن إيمانك بالمساواة بين أبناء البلد، لكن الكلام يجرّ الكلام وتقرّ في النتيجة أن ابن الزعيم هو الأجدر لاستلام دفة الحكم لأنه على الأقل آت من بيت عريق.

- تشكو من فقدان العدالة الاجتماعية وضرورتها لقيام الدولة، والإجحاف اللاحق بمنطقتك، وتخلص بالاعتراض على ثورة سكان يعيشون في مناطق قريبة من مكبات النفايات على أساس أنهم "تاريخياً" ليسوا لبنانيين.

- تتبجح بأنك غير عنصري، وتعي أو لا تعي أنك تتخبط بآرائك وسلوكك العنصري، بدءاً من نظرتك إلى حقوق العاملة في منزلك، وصولاً إلى وصفك للاجئين في لبنان.

- تجزم علانية وبحضور أبنائك، الذين هم جيل المستقبل الذي يتأثر بأسلافه، أن عمل الفرد الإيجابي لا مكان له في وسط تعمّه السلبيات.



- تفخر بانتمائك العائلي المتجذر الذي تسلسله عن ظهر قلب، ثم تشكو من الزعيم الذي قدمت له عائلتك الكريمة خدمات انتخابية على مرّ الأجيال، بأنه لم يمنحك الوظيفة التي تستحق.

- تطلق أحكامك السلبية على إنجازات الآخرين أفراداً أو جماعات، وأنت أقصى إنجاز تفاخر به ويشغلك هو تبديل سيارتك بأخرى أحدث منها.

- تقدّر وتحترم صاحب السلطة الأقوى، وتعتبره الأفضل، وتنسى أن احترام الآخر من احترام الذات.

هي بعض العلامات التي تؤكد أن الانتخابات النيابية "المنقِذة" لا بد أن يسبقها حملات تدريب على المواطنة، ومعنى أن يكون الإنسان مواطناً قبل أن يكون فرداً. لأن "المواطن" يأخذ الوطن نحو اتجاه يتسع للجميع، في حين أن "الفرد" يسعى نحو وطن على قياسه.
المساهمون