الماضي السيئ يعيق "توبة" مغاربة

13 مايو 2018
قررت التوبة (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -


لا يكفّ الماضي عن ملاحقة صاحبه، لا سيّما عندما يكون "سيّئاً" أو "مشيناً" بحسب معايير ارتضتها مجتمعات وبيئات معنيّة. وتلك المجتمعات، كثيراً ما تحفظ كلّ ما أتى به صاحب ذلك "الماضي السيّئ"، لتنبذه مرّة تلو أخرى.

يتّخذ مجرمون وبائعات هوى وغيرهم في المغرب قرار "التوبة"، ويختارون مسارات حياتية ومهنية مختلفة. لكنّ طريق العودة ليست مفروشة بالورود والنوايا الحسنة دائماً، إذ يصطدم بعضهم بردود فعل عكسية، في حين تلاحق آخرين نظرات الريبة والشك. على الرغم من ذلك، يجد قسم منهم الدعم الذي يحتاجه.

إبراهيم برقاوي واحد من هؤلاء، يحكي قصّته لـ "العربي الجديد"، هو الذي توقّف عن النشل وعن المشاركة في الشجارات العنيفة حيث يعيش في أحد الأحياء الشعبية في مدينة الرباط. سُجن برقاوي مرّات عدّة، وفي كلّ مرّة كان يخرج من السجن لم يكن يمكث خارجه أكثر من أسابيع. يقول: "عشت فترة من حياتي على هذا النحو بسبب إدماني المخدرات والكحول، حتى أنّ والدتي نفسها لم تكن تسلم منّي بالإضافة إلى أسرتي الصغيرة".

يضيف برقاوي أنّ السنوات مرت، وتزوّج أصدقاؤه، وتقدّموا في حياتهم أسرياً ومهنياً. أمّا هو، فبات منبوذاً يخشاه الصغير قبل الكبير، وشعر بأنّه عالة على المجتمع. حينها قرّر التوقف عن كل ما كان يفعله. كانت بداية التوبة زواجه من ابنة عمته التي قبلت به شرط إقلاعه عن المخدرات والكحول. ويتابع: "قبل أربع سنوات غيّرت سلوكي كلياً، وصرت أبيع الفاكهة والخضار وأقتات من عرق جبيني. لكنّني فوجئت بأنّ الناس كانوا يتهربون من شراء الفاكهة والخضار منّي. لم يصدّقوا توبتي، وكانوا يتحاشون رؤيتي ولقائي". ويشير "اللص التائب" إلى أنّه عندما كان يسلب أموال الناس، كانوا يخشونه لبطشه وقدرته على إلحاق الضرر بالآخرين. وبعد توبته، ظلوا يخشونه، فتأثرت تجارته. ويؤكد أنّه "على الرغم من ذلك، لم أحد عن طريق التوبة".




من جهتها، كانت سميرة بائعة هوى على مدى سنوات طويلة، حتى بلغت الأربعينيات. أصيبت بمرض وقرّرت "التوبة"، والتوقف عن العمل الذي كانت تمارسه. وسميرة التي تقطن في حيّ سيدي موسى الشعبي في مدينة سلا، تقول إنّ "توبتي لم تقنع محيطي وجيراني وصديقاتي، الذين ظلوا ينعتونها بأبشع الصفات، على الرغم من أنّني قررت ارتداء الحجاب، وأدّيت العمرة على حساب أحد المحسنين". تضيف أنّ أكثر ما يحز في نفسها "نظرات الشك التي تقتلني".

وتتابع سميرة أنّ "مظهري يؤكّد توبتي وإقلاعي عن الرذيلة لكسب قوتي. مع ذلك، ظللت أسمع صفات بشعة في حقي من الأطفال والشباب وحتى النساء في حيّي. وهذا ما دفعني إلى الرحيل إلى حيّ آخر في مدينة قريبة، لعلّني أجد مجتمعاً جديداً لا يذكّرني بماضيّ الذي بتت أتبرأ منه، من دون أن أنال دعم الناس".

أمّا سعيد الذي سبق واعتقل على خلفية قضايا سرقة ونصب واحتيال، فإنّ ماضيه لم يعرقل اندماجه في المجتمع بعدما اتخذ "قرار التوبة". يقول إنّ "أسرتي الصغيرة دعمتني بشكل كبير لبدء عمل في التجارة"، لافتاً إلى أنّه يعرف كثيرين اتخذوا "قرار التوبة" وبدء حياة جديدة، لكنّ المجتمع لم يرحمهم وظل ينظر إليهم بارتياب، ما جعلهم يرتكبون الجرائم مجدداً. هؤلاء بحسب ما يؤكد، "لم يجدوا من يحتضنهم. أمّا أسرتي، فقرّرت النظر إلى المستقبل بدلاً من الماضي".

في السياق، يعزو عضو مركز الدراسات الاجتماعية في جامعة الرباط، كريم عايش، في حديث لـ "العربي الجديد"، "ردّ فعل جزء من المجتمع المغربي على توبة البعض إلى الطبيعة المعقدة لمنظومة تربية المجتمع وغلبة طابع العفة والحشمة والسلوك القويم". ويشرح عايش أنّ "هؤلاء يُعتبرون ممّن تمرّدوا على أسرهم ومجتمعاتهم وتحدوا القانون الذي هو خط أحمر يلتزم به الجميع للعيش بسلام واحترام. ويزداد الوضع تعقيداً حين يكون هؤلاء مصدر إزعاج وتهديد لمحيطهم، فيزداد الحقد، ويصير التخلص منهم مطلباً ملحاً لاستتباب الأمن والطمأنينة وحماية الأسر".




يضيف عايش أنّه "على الرغم من توبة هؤلاء الأشخاص، فإنّهم ملزمون إذا أرادوا تجاوز ماضيهم ولعناته والاندماج في محيطهم سواء القديم أو الجديد، إظهار سلوك حسن والالتزام بالأخلاق الحميدة والابتعاد من أيّ مظاهر تعيد إلى الأذهان تجاربهم السابقة. كذلك يجب أن يحرصوا على الانخراط في الحياة الاجتماعية ومتابعة أنشطتها والمساهمة في العيش المشترك الجماعي". ويتابع عايش أنّ "المجتمع المغربي مندمج ومتفاعل مع المستجدات. وفي الوقت نفسه، يتعايش مع مختلف السلوكيات بما فيها تلك المنحرفة، لأنّه يعدّها نتاج مجتمع تفشت فيه البطالة والفقر وضآلة المستوى التعليمي"، لافتاً إلى أنّه "مهما اجتهد المنحرف، تصعب عليه إزالة ماضيه من أذهان المجتمع بسهولة بسبب الأحقاد والحسابات الشخصية الانتقامية".