الأقباط والسلطة في مصر ..رسائل وآلام في العيد

06 يناير 2016
إحياء الذكرى الأولى لأحداث ماسبيرو بميدان التحرير (فرانس برس)
+ الخط -

يحتفل المسيحيون الأرثوذكس في مصر، بذكرى ميلاد المسيح عليه السلام في السابع من يناير/كانون الثاني من كل عام، والذي يرتبط في الوقت ذاته بأحداث دموية تعرضوا لها خلال احتفالاتهم الدينية، بعضها كان المتهم فيه واضحا، والبعض الآخر لم يكشف عن الفاعل، لكن في أغلب الحوادث تظل مسؤولية النظام الحاكم حاضرة؛ سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

ويرصد التاريخ أحداثا مهمة كشفت طبيعة علاقة الأقباط بالنظام، وهي علاقة تقوم على معادلة فرضها النظام ولاقت قبولا لدى الأقباط، وملخصها "أنا (السلطة) أحميك، وربما أمنحك مساحات تأثير. لكني أيضا أملك أوراق ضغط وربما إيذاء إذا اعتقدت أنه يمكنك الضغط لتحقيق مكاسب أو الحصول على مزيد من الحقوق".

منح الرئيس السابق أنور السادات الضوء الأخضر لمحافظ أسيوط في عهده، محمد عثمان إسماعيل، بداية التسعينيات لتأسيس "الجماعة الإسلامية" أو دعمها لأسباب أهمها مواجهة تيار اليسار، وخاصة الطلاب، لكنّ سبباً آخر لا يتحدث عنه كثيرون، ورواه محافظ أسيوط الأسبق في مذكراته، والذي كان عضو اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي الحاكم في عهد جمال عبد الناصر، ويتمثل في مواجهة نفوذ الأقباط المتصاعد، خاصة في أسيوط، وتعاملهم بندية مع النظام.

كان قرار دعم الجماعة الإسلامية ومنحها مساحات لحرية العمل أداة ضغط فعلية نجحت على المستوى القريب في "تخويف" الأقباط، وإن أثبتت على المدى البعيد أنهم مثلوا عامل ضغط على النظام ورئيسه السادات، أدت إلى مقتله واندلاع أحداث أسيوط الشهيرة.

أحداث الزاوية الحمراء
مثلت أحداث الزاوية الحمراء بالقاهرة، أو ما عرف إعلاميا بـ"أحداث الفتنة الطائفية" في يونيو/حزيران 1981، وقبل أشهر قليلة من اغتيال السادات، تحولا "داميا" في علاقة الأقباط بالدولة، حيث سقط ولأول مرة عدد كبير من القتلى من المسلمين والمسيحيين لسبب واه وتصعيد أكد كثير من السياسيين وقتها أو في مذكراتهم، أنه غير مبرر وأن هناك طرفا ثالثا يقف وراء الأحداث، بل كان الاتهام مباشرا للنظام في ظل علاقة متدهورة بين السادات ورأس الكنيسة وقتها البابا شنودة الثالث، والتي وصلت حد قيام السادات بعزل الأخير يوم 5 سبتمبر/أيلول 1981، محملا إياه في خطاب شهير المسؤولية عن "بث سموم الفتنة الطائفية".

واعتبر قرار عزل البابا رسالة من النظام للتأكيد على معادلة علاقة الأقباط بالسلطة، والتي ظن النظام أن هناك سعيا من رأس الكنيسة لتغييرها، متعللا بالمظاهرات المناوئة للسادات من قبل أقباط المهجر، خاصة خلال زيارته لأميركا، أو لقاء البابا شنودة بالرئيس الأميركي كارتر، والتي اعتبرتها السلطة دورا سياسيا تعدى فيه الرجل دوره الروحي.

أحداث الكشح
بدأت أحداث الكشح خلال عام 1998 باعتقال الشرطة لعدد كبير من أقباط القرية التابعة لمركز البلينا بمحافظة سوهاج جنوب مصر، على ذمة مقتل أحد المسلمين للحصول على اعترافات، إلا أن الرواية الرسمية تؤكد أن الأحداث بدأت في 31 ديسمبر/كانون الأول 1999 واستمرت لعدة أيام من مطلع العام 2000، وبلغت ذروتها يوم 3 يناير/كانون الثاني، قبيل احتفال الأقباط بعيد ميلاد المسيح، حيث قتل 20 شخصا على الأقل في الأحداث بينهم 19 قبطيا.

الرواية الرسمية ثم قرار النائب العام حينها المستشار ماهر الجندي، تؤكد أن الأحداث غير مفتعلة وأنها نتيجة لخلاف طبيعي بين تاجر مسيحي وزبون مسلم، تطور إلى مشادة.

اقرأ أيضا:مصر: 3 سنوات على مذبحة ماسبيرو دون محاسبة الجناة

أحد الصحافيين المصريين، وفي شهادة غير منشورة، روى ما سمعه في القرية التي زارها عقب الأحداث مباشرة، حيث أكد له شهود عيان أن ما تم كان بتدبير من السلطات كرد فعل على تعامل أحد القيادات الكنسية مع قيادة أمنية كبيرة عندما تدخل للإفراج عن الأقباط المعتقلين على ذمة قضية قتل شاب مسلم من الكشح، ومعترضا على التعذيب الذي تعرضوا له لإجبارهم على الاعتراف بجريمة لم يرتكبوها، حيث تطور النقاش إلى تهديد من القيادة الأمنية للقيادة الكنسية.

ووفقا لشهادة الصحافي، فإن المسؤول الكنسي رد على الشرطي الكبير قائلا إن "الشرطة لن تستطيع تنفيذ تهديداتها، لأن أميركا تحمي الأقباط في مصر"، وهو الرد الذي أبلغه الشرطي لقياداته العليا، فكان رد الفعل باستغلال حادث عارض في القرية والضغط على المسلمين للأخذ بالثأر للمسلم المقتول بتعهد أمني بحمايتهم، لتتداعى الأحداث بعد ذلك، حيث تم اعتقال 130 شخصا وتقديم 96 منهم للمحاكمة، لتصدر محكمة الاستئناف حكمها بالإفراج عن 92 منهم وإدانة 6 بالحبس لمدد تتراوح بين سنة وعشر سنين.

حادثة القديسين
جرت حادثة تفجير كنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية، في الأول من يناير/كانون الثاني 2011، وراح ضحيتها 21 مسيحيا، وتزامنت مع أحداث سياسية كانت تموج بها مصر والمنطقة العربية، حيث انطلق الربيع العربي في تونس، وظهرت دعوات الجمعية الوطنية للتغيير في مصر، وأعلن عن البرلمان الموازي رفضا لنتائج الانتخابات البرلمانية المصرية في 2010.

المتهم الأول في الحادث كان التنظيمات الجهادية المصرية التي لم يكن لها نشاط كبير داخل الوادي والدلتا خلال تلك السنوات، ما أدى إلى الإشارة بأصبع الاتهام إلى السلطة، التي اتهمت بمحاولة إلهاء الشعب بقضية الأمن لمنعهم من المطالبة بحقوقهم السياسية أو محاولة تنظيم مظاهرات كبرى رافضة لممارسات النظام.
ما أكد هذه الشكوك حينها، صدور قرار من النائب العام بمنع النشر في القضية، ما يعني الخوف من تسرب معلومات تدين السلطة في القضية، وبعد ثورة يناير طرحت وسائل إعلام مصرية ما قالت إنه وثائق تؤكد تورط وزير الداخلية آنذاك، حبيب العادلي، في تدبير الحادث، حيث تشير الوثائق إلى أن الهدف منها كان "إخماد الاحتجاجات القبطية المتتالية، وتخفيف حدة نبرة حديث البابا شنودة مع القيادة السياسية، وعدم تحريض رعايا الأقباط للتظاهر والاحتجاج، ودفعه نحو تهدئة الأقباط للتأقلم مع النظام العام بالدولة" وفقا للوثيقة.

أحداث ماسبيرو
كانت أحداث ماسبيرو التي وقعت خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2011، ربما حادث الصدام الأول المباشر بين السلطة والأقباط في مصر، بعد أحداث صدام غير مباشرة، حيث إن الصدام أمام مقر التلفزيون الحكومي على كورنيش نيل القاهرة، بين متظاهرين أقباط تجمعوا في منطقة شبرا وتمركزوا أمام ماسبيرو، وبين وقوات الشرطة العسكرية التابعة للجيش، أثناء فترة تولي المجلس العسكري المسؤولية في مصر فى أعقاب ثورة يناير 2011.

وبعيدا عن التفسيرات التي صاحبت القمع الأمني غير المسبوق لتظاهرة مسيحية، فإن الأحداث خلفت 27 ضحية غالبيتهم من المسيحيين؛ سقطوا بسلاح ومدرعات الجيش، بينما لم يعاقب المسؤول عن ذلك، بل إن الدولة والمجلس العسكري حينها حمل المتظاهرين المسؤولية، سواء فى التقرير الرسمي الذي نشرته الشرطة العسكرية عقب الأحداث، والذي أكد "قيام حوالي 3500 فرد بالسير في اتجاه رمسيس وإطلاق الأعيرة النارية أمام المستشفى القبطي وإشعال النيران بأحد الأتوبيسات المدنية"، أو المعالجة الإعلامية الرسمية المنحازة لرواية المجلس العسكري، والتي ركزت على سقوط قتلى من قوات الجيش واعتداءات المتظاهرين، ولم تتحدث عما حدث للمتظاهرين الذين أكد عدد من شباب القوى الثورية المسلمين الذين شاركوا المسيحيين مظاهراتهم أنها كانت سلمية.

ويحتفل المسيحيون هذا العام بأعيادهم وسط مخاوف وتشديد أمني واسع، تحسبا لوقوع أي حوادث دامية، خاصة وأن المسؤولية عن دماء ضحايا الحوادث السابقة لم تحسم، ولم يحاسب أحد عنها، حتى أن رأس الكنيسة المصرية الحالي، البابا تواضروس، اتهم جماعة الإخوان بالمسؤولية عن ضحايا أحداث ماسبيرو 2011.


اقرأ أيضا:مصر: مخاوف من استنساخ الأمن الوطني لـ"سيناريوهات العادلي"