ديلانا

14 نوفمبر 2016
كانت تخضرّ وتورق وتتبرعم وتزهر (جويل نيتو/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل شهر كانت حلماً، كانت طيفاً يحلّق في عتمة دافئة، كانت بعيدة قريبة في آن واحد، في ضوء عيوننا كانت وفي خلجات أنفسنا. قبل شهر كانت طيفاً يسبح في ماء أمين، كانت مثل سمكة صغيرة. كنّا في انتظار تحوّل الحلم إلى حقيقة، في انتظار أن يضع الطيف يده في يدنا، أن يقول أنا هنا الآن، صرت بينكم أخيراً.

امتلأتْ بالوقت الفاصل، بين أن تكون أو لا تكون. امتلأت بماء الحياة الصغيرة الضئيلة، بما يكاد لا يُرى، يكاد يكون أقرب إلى خيال، إلى تصوّر ضبابي. كانت تخضرّ وتورق وتتبرعم وتزهر من دون أن نرى شيئاً. هكذا، أخذت ما ينبغي أن تأخذ، كانت تكتمل شيئاً فشيئاً، وامتلأنا بانتظار قدومها، كما لو كانت أثناء ذلك تساعدنا وتعيننا على استقبالها. كان كل شيء ينضج على مهل، من دون تأخر ومن دون استعجال. لا أحد يعرف كيف مضى الوقت من حولنا وفي دواخلنا ونحن نترقب هذا التحول الكبير والعادي في آن واحد: أن يحضر كائنٌ لم يكن له أي وجود من قبل! لا اسم، لا صفة، لا شكل، لا لغة،... لا شيء على الإطلاق.

هل هي معجزة؟ أتكون ولادة طفلٍ على هذا القدر من الخطورة والبراءة، من القلق والفرح، من الترقّب والحاجة الملحة إلى الإحساس بالأمان والسكينة؟ كيف يمكن لأحدنا أن يحمل كل هذه المشاعر دفعة واحدة!

كان كل شيء كذلك في انتظارها. البيت، والطريق إلى البيت، الصباح والمساء، الطبيب والمشفى والممرضات، الضوء والعتمة، اليقظة والنوم، الجدّتان والجدّان، العمّات والأعمام، الخال، الأصدقاء والصديقات و... الجيران.

كنا كمن يتحضر لحفل كبير، لاستقبال غير عادي، لحدث لا يحلّ إلاّ مرة واحدة وحسب. كم هو نادر! كم هو غريب!

أخيراً في السادسة مساء أطلقت أول صرخة: أنا هنا.
- من أنتِ؟!
- أنا التي صرخت منذ قليل.
- ماذا تريدين؟
- صدر أمي. الحليب والنوم.

هي تتكلم إذن، إنها تعرف ما تريد، تبحث وتطلب وتلحّ في الطلب. لقد تحولت أخيراً، أكملت العمل وحققت الحلم. أهو حلمنا أم حلمها؟ من يعرف، من يستطيع أن يؤكد من منّا كان يحلم بالآخر، هي أم نحن؟

نحن كذلك كنا بحاجة إلى الحليب والنوم. كنا بحاجة إلى صرخة الحليب وحضن النوم. نحن مثلها تماماً، أو ربما صرنا مثلها. لقد تحوّلنا معها إلى ما يشبهها. هي التي استطاعت أن تنجز الفعل الحاسم، أن تقول لنا إنكم الآن دخلتم رحم الوقت من جديد، صرتم في المكان الجدير بكم. كأننا لم نكن موجودين من قبل، كأنها بيدها الصغيرة، الصغيرة جداً، أعادتنا إلى ما كنّاه يوماً ما.

المساهمون