تفريق يتجاوز الشرع

08 ابريل 2016
القانون السعودي لا يشترط تكافؤ النسب (فايز نورالدين/فرانس برس)
+ الخط -
ما إن يعتقد السعوديون أن ملف تكافؤ النسب قد أغلق، حتى يعود إلى التداول مجدداً. هذه المرة، جاءت الأنباء من العيينة، المدينة التاريخية التي تبعد عن العاصمة الرياض أقل من 30 كيلومتراً شمالاً. أصدر قاضي المحكمة العامة حكماً بتفريق زوجين بناء على دعوى تقدم بها أعمام الزوجة، بحجة أن الزوج لا يتمتع بنسب عريق مثلهم، على الرغم من أن الزوجة كانت حاملاً في الشهر الثامن بطفلها الأول.

وعلى الرغم من أن المحكمة العليا ردّت أكثر من حكم من هذا النوع، ووبخت القضاة لافتة إلى أن عدم تكافؤ النسب لا يعدّ سبباً للتفريق بين الزوجين، إلا في حال خدع الزوج عائلة زوجته وادعى أنه من نسب مختلف. إلا أن هذا الأمر لم يتحقق في حادثة العيينة، علماً بأن عائلة الفتاة كانت قد وافقت على الزوج.
ويؤكد الزوج، الذي يعمل في الجيش، وهو موجود في اليمن حالياً، أنه لا يريد الانفصال عن زوجته. يضيف: "تزوجت منها بعد موافقة أشقائها ووالدتها. لكن والدها لم يكن موافقاً لأنه لا يريد لابنته أن تتزوج. لذلك، زوّجها شقيقها". يضيف :"بعد نحو عام، علم أعمام زوجتي بالحمل، وتقدموا بدعوى لتطليقها مني بحجة عدم تكافؤ النسب، وكانوا قد سعوا أكثر من مرة إلى إفساد الزواج".

وفي مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد الزوجة، مها، أنها لا تريد غير "سلامة طفلها والعيش مع زوجها مثل أية أسرة طبيعية، وقد أرهقتها المشاكل". ولم يكن من الزوج إلا استئناف الحكم، متهماً القاضي الذي أصدر الحكم بالانحياز غلى خصومه. ويسأل: "كيف يمكن الحكم بغير الشرع؟".
هذه الحالة ليست فردية. ويستمر القضاة في متابعة تلك القضايا، مستفيدين من الصلاحية المطلقة التي منحها النظام القضائي السعودي. وقبل نحو عامين، ضج الشارع السعودي بقضية تفريق بين زوجين بحجة أن الزوج لا ينتمي إلى قبيلة عريقة على غرار الزوجة. وعلى الرغم من رفض الزوجة القضية التي رفعها أبناء عمومتها، أمر القاضي بتفريق الزوجين غير عابئ بالطفلين.


في هذا السياق، يقول أستاذ الفقه في جامعة الإمام محمد بن سعودي الإسلامية في الرياض، عبدالله الجبرين، إن مثل هذه الأحكام غير شرعية، بل يرى أنها "تتجاوز الشرع". يقول لـ "العربي الجديد" إن "ما يحدث هو تجاوز وعدوان على أحكام الله. فالإسلام لا يشترط تكافؤ النسب لضمان صحة الزواج. كما أن مثل هذه الأمور يجب أن ينتبه إليها الأهل قبل الموافقة على عقد الزواج وليس بعده. أيضاً، يجب أن يبحثوا جيداً في نسب الزوج قبل الموافقة عليه، وليس بعد إتمام الزواج أو حين ينجب الثنائي الأطفال".

من جهته، يؤكّد المستشار القانوني، أحمد محمد العيسى، أن القانون السعودي المستمد من الشرعية لا يشترط مبدأ تكافؤ النسب لقبول الزواج. مع ذلك، يستمر القضاة في قبول مثل هذه القضايا. يقول لـ "العربي الجديد" إن "بعض القضاة يصدرون الأحكام ويفسخون عقود الزواج، خشية وصول الأمر إلى القتل، لكنّهم يخالفون الشرع. لذلك، تنقض المحكمة العليا هذه الأحكام إلا في حالات محدودة، حين يكون هناك تلاعب أو خداع من الزوج، أي إذا ما لجأ مثلاً إلى تزوير نسبه. لكنها تبقى حالات محدودة". ويلفت إلى ضرورة أن يكون هناك "قانون أكثر وضوحاً يرفض هذه الأمور".

ويضيف أن "القانون السعودي لا يأخذ بمبدأ السابقة القضائية، وإلا لكان لزاماً على جميع القضاة رفض هذا النوع من القضايا، لأن المحكمة العليا نقضت أكثر من حكم من هذا النوع"، لافتاً إلى أن المحكمة العليا تحكم بحسب الشرع على عكس بعض القضاة في المحكمة العامة، الذين يحكمون بالعرف، وللأسف هذا النوع من القضايا منتشر بكثرة.

ثقة في القضاء

أعلن مصدر في الجمعية السعودية لحقوق الإنسان أن الجمعية قررت التدخل في القضية، مشدداً على أن الأنظمة المعمول بها في السعودية تؤكد على أن ولاية الأب أو الأخ أو القريب، بعد إبرام عقد الزواج، لا تسمح لهم بالمطالبة بالتفريق بين الزوجين. أضاف أن الجمعية تتابع القضية مع الجهات المعنية ولديها ثقة في القضاء، لافتاً إلى أنه سبق للمحكمة العليا أن رفضت أحكاماً مماثلة.