الكراهية في أميركا... مجرمون أبرياء قبل التحقيق

14 يوليو 2017
يطالبون بالعدالة لنبرا حسنين (محمد الشامي/ الأناضول)
+ الخط -
زادت الاعتداءات بحقّ الأقليات في الولايات المتحدة، بمن فيهم العرب والمسلمين، بعد صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدّة الحكم. وبحسب دراسات عدة، سجلت البلاد زيادة في اعتداءات الكراهية ضد الأقليات، خصوصاً المسلمة، بثلاثة أضعاف، مقارنة بالسنوات السابقة قبل تولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. كما زاد عدد المجموعات اليمينية العنصرية من 892 مجموعة معروفة في عام 2015 إلى 917 مجموعة في العام الذي يليه. أمّا تلك المجموعات اليمينية التي تستهدف العرب والمسلمين، فزاد عددها من 34 مجموعة يمينية في عام 2015 إلى 101 في عام 2016. وبحسب تقرير رسمي صادر عن مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي أي)، زدات الاعتداءات ضد المسلمين بنسبة 67 في المائة منذ عام 2015، وهو العام الذي أطلق فيه دونالد ترامب حملته الإنتخابية. وما من شك بأنّ الاعتداءات من الأميركيين اليمينيّين بحقّ العرب والمسلمين بشكل خاص، والأقليات بشكل عام، زادت بشكل ملحوظ بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في عام 2001.

حوادث القتل والاعتداءات، كالضرب والشتائم ضد "الآخر"، قديمة قدم "تأسيس" الولايات المتحدة ووصول المستعمرين الأوروبيين إلى القارة. ورغم أنّ البلاد قطعت شوطاً لا يستهان به في محاربة العنصرية والكراهية على الصعيدين القانوني والواقعي، تبقى هناك فجوة كبيرة وملموسة في التعامل مع تلك الاعتداءات على عدة أصعدة، من بينها الأصعدة القانونية والتنفيذية والإعلامية. ونادراً ما تقدّم الجهات المسؤولة في الشرطة أو المدعي العام لائحة اتهام ضد مرتكبي جرائم الكراهية كونها "جرائم كراهية"، على الرغم من وجود أدلة في بعض الحالات بأن الجريمة ارتكبت بدافع الكراهية الدينية أو العرقية وغيرها.

نبرا حسنين

آخر تلك الحوادث كان مقتل الشابة نبرا حسنين (17 عاماً) في منطقة فيرفاكس في ولاية فرجينيا. تفاصيل الحادثة، بحسب مصادر إعلامية أميركية، ورئيس الشرطة في المدينة، تشير إلى أنّ الفتاة كانت برفقة أصدقاء لها في الرابعة صباحاً، وقد تناولوا وجبة السحور في طريقهم إلى الجامع القريب على دراجاتهم الهوائية. وقعت مشادة كلامية أو شجار مع سائق سيارة لحقهم بسيارته، ثم نزل منها وانقض على حسنين وضربها بمضرب بيسبول. بعدها، سحلها ووضعها في سيارته ثم دفنها في حفرة قرب بيته. كان واضحاً من ملابس حسنين أنها مسلمة، إذ كانت ترتدي الحجاب والعباءة التقليدية السوداء. أما الشجار الذي تحدثت عنه الشرطة ونقلت وسائل إعلام أنه وقع بين أحد أفراد المجموعة والسائق، فتفاصيله غير واضحة وتدور حوله العديد من علامات الاستفهام.

قالت عائلتها، بمن فيهم والدها، إنّ عملية القتل جاءت بدافع الكراهية، خصوصاً أن الفتاة محجبة، وطالبوا الشرطة بالتحقيق بالموضوع باعتباره جريمة كراهية. وبعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على جريمة القتل، أعلنت الشرطة على لسان رئيسها، أنها تستبعد أن يكون ارتكاب الجريمة بدافع الكراهية. أما الإعلام الأميركي، فكانت تغطيته للحادثة سريعة.

وناشدت جمعيّات حقوقيّة أميركية مسلمة وعربية أن تأخذ الشرطة المطالبة بالتحقيق بالقضية باعتبارها جريمة كراهية على محمل الجد. إلا أنها شعرت بالإحباط بسبب عدم فتح الشرطة تحقيقاً بالحادث باعتباره جريمة كراهية. ويخشى كثيرون أن ينعكس الأمر على الجاليات العربية والمسلمة بشكل سلبي، ويؤدي إلى زيادة في تقوقعها وزيادة شعورها بعدم الثقة بمؤسسات الدولة. وهي علاقة تتسم بعدم الثقة أصلاً في أحيان كثيرة، خصوصاً بعد اكتشاف تجسس الشرطة على المسلمين والعرب في كل من ولايات نيوجيرسي ونيويورك وغيرها من الولايات ولسنوات وبشكل عشوائي، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في عام 2001.

لوائح اتّهام

يرى باحثون أنّ هناك أكثر من سبب لعدم تقديم الشرطة بعض الأشخاص إلى المحاكمة بداعي الكراهية، رغم الارتفاع في عدد جرائم الكراهية. في هذا السياق، يقول أستاذ القانون في جامعة دترويت، خالد بيضون، لـ "العربي الجديد": "نلاحظ أنه يصعب تقديم لائحة اتهام بارتكاب جريمة كراهية ضد الجاني، خصوصاً حين يكون الضحية مسلماً أو من الأقليات، إذ يجب إثبات أنّه كان لدى الجاني دافعاً مسبقاً لاستهداف شخص ما لأنه مسلم أو عربي على سبيل المثال".
يضيف أن "تفسير القانون على هذا النحو يجعل قضية إثبات النية أو الدافع أمراً صعباً. رأينا هذا في قضية نبرا حسنين، إذ استبعدت السلطات، وبشكل سريع، أن تكون الجريمة قد ارتكبت بدافع الكراهية. وبادرت إلى إعلان ذلك خلال ساعات بعد اكتشاف الجثة".

ويشير بيضون إلى أن عدداً من الباحثين يحاولون النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، نطلق عليها إسم "حوادث كراهية"، لتمييزها عن "جرائم الكراهية"، والتي تعني محاكمة الشخص بهذا الدافع وإصدار حكم بحقه في هذا السياق. أمّا "حادث الكراهية"، فيعني أن الكراهية كانت أحد دوافع ارتكاب الجريمة وليست الدافع الوحيد، أي أن هوية المجني عليه كانت أحد الأسباب ارتكاب الجريمة وليست السبب الوحيد.



يتابع: "نحاول التمييز بين الأمرين كباحثين أو حقوقيّين، لنثبت أن عدد الجرائم المرتكبة هو أعلى ممّا يظهر حين يتعلق الأمر بالإحصائيات الرسمية التي تأخذ بعين الاعتبار عدد المحاكمات. وهذا يعني أن حوادث الإسلاموفوبيا هي أعلى بكثير مما تظهره الإحصائيات".
وعن سبب استعجال الشرطة في إعلانها أن جريمة قتل نبرا حسنين لم تكن بدافع الكراهية، يقول بيضون: "أعتقد أن الأمر مرتبط بأسباب سياسية. تُحاول الشرطة أن تكون محايدة سياسياً وتعمل على طمس أي ردود فعل إعلامية، وتريد الحد من رد فعل الشارع والتظاهرات، خصوصاً في ظل أجواء متوترة أصلا تحت حكم ترامب. أتوقع أنّها لا ترغب بتدخل الجهات الفدرالية والتحقيق بالموضوع كجريمة كراهية، في حال أعلنت أنها لا تستثني وجود دافع كراهية وراء ارتكاب الجريمة".

أقليات غير محمية

وحول الإشكاليات في تفسير القانون، يؤكّد بيضون أنه "من الصعب الدخول إلى رأس مرتكب الجريمة والحكم على حالته النفسية والعقلية عند ارتكاب الجريمة، وما إذا لعب أكثر من عامل دوراً، مثلاً كونها امرأة ومحجبة وذات بشرة داكنة. لذلك يجب الانطلاق من هوية الضحية في التحقيق بدلاً من الدخول في قضية الدافع والنية التي يصعب إثباتها. بكلمات أخرى، يجب أن تكون العوامل التي تقدّم الشرطة على أساسها هؤلاء للمحاكمة لارتكابهم جرائم كراهية مبنية على انتماء الضحية أيضاً. وهذا سيساعد على تقديم عدد أكبر من المجرمين إلى القضاء".

وعن تأثير ذلك على الجاليات والأقليات، يقول: "هناك شعور عام لدى الأقليات في الولايات المتحدة، سواء أكانوا من الأميركيين من أصول أفريقية، أو مسلمين، أو من يتحدرون من أميركا اللاتينية، أن الحكومة لا تعمل بما فيه الكفاية لإيجاد السبل التي تحميهم. وهذا يعني أن الحكومة شريكة بجعلهم عرضة للعنف بدافع الكراهية، خصوصاً في فترات التوتر العالية، كما هو الحال الآن في فترة حكم ترامب".

ويشير بيضون إلى أن تعامل الشرطة بهذا الشكل لا يقتصر على فترة حكم ترامب، بل هي ممارسات قدم الدولة، لكنها تتفاقم في فترات معينة ما لم تأخذ الدولة والسلطات الممثلة لها، تلك الجرائم بجدية أكبر. بالتالي، قد يستمر ذلك الشعور لدى الكثير من أبناء الأقليات في الولايات المتحدة، وهو أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ومهمشون.

وفي ما يخص وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة، فإنها غالباً ما تغطي الأخبار المتعلقة بالمسلمين والعرب والأقليات عامة، عندما يتعلق الأمر بارتكاب أبناءها جرائم. وتتصدّر بعض من هذه القصص وسائل الإعلام لأيام، في حين تغيب عندما يكون المسلم أو العربي هو الضحية. لذلك، لا يمكن وصف الإعلام بالمهني، لافتاً إلى أنّ الأقليات في الغالب مهمشة، وتسود الأخبار الكثير من النمطية والآراء المسبقة.

يشار إلى أنّه بحسب تقرير صادر عن مركز دراسات الكراهية والتطرف في جامعة كاليفورنيا، فقد شهد عام 2016 إرتفاعاً كبيراً في جرائم الكراهية في الولايات المتحدة، خصوصاً في المدن الكبرى. ووفقاً للتقرير الذي اعتمد على إحصائيات من هيئات اتحادية وهيئات تابعة للولايات، فقد شهدت مدينتا نيويورك وشيكاغو في عام 2016، ارتفاعاً بنسبة 24% في جرائم الكراهية مقارنة بعام 2015، وزادت جرائم الكراهية في مدينة سياتل في ولاية واشنطن بنسبة 6%.