حسين لم تمنعه الإعاقة عن تحقيق الطموح

09 نوفمبر 2014
فقد حاسة السمع في عامه الأول (هيمانشو فاياس/Getty)
+ الخط -

لم يكن حسين الشبركة قد تجاوز الرابعة من عمره بعد، عندما حزم والده الطيّار له أمتعته وأرسله للعيش في مصر. فغادر أراضي المملكة العربيّة السعوديّة، وألحِق بمدرسة داخليّة في منطقة مصر الجديدة، لدراسة لغة الإشارة. لكنه لم يتعلمها فقط، بل تعلّم أيضاً كيف يكون مستقلاً ويعتمد على ذاته.

وهذه المحطة الأولى في مشواره التعليميّ كانت الأصعب، ليس فقط بالنسبة إلى الصغير بل كذلك بالنسبة إلى والدته. لكن في النهاية، تجاوزها كلاهما بنجاح.

وكان حسين ابن الكابتن الطيار في الخطوط السعوديّة علوي الشبركة، قد فقد حاسة السمع في عامه الأول على إثر إصابته بالحمى الشوكيّة. فشكّل الأمر صدمة كبيرة لوالدَيه وللأسرة التي لم تكن تعرف من قبل كيف تحتضن تحت جناحَيها طفلاً معوّقاً.

القاصة أميرة الشمر، هي والدة حسين. تقول في حديث لـ "العربي الجديد": "لم نفرّق بينه وبين إخوته في المعاملة ولا في التربية، وقد أوليناه الاهتمام اللازم". تضيف: "وبدأنا معه مبكراً جلسات التخاطب التي امتدت سنوات. كذلك، أرسلناه لدراسة لغة الإشارة لمدّة عامين في مصر. وعندما بلغ السادسة من عمره، كان من الطبيعي أن يعود ليلتحق بالتعليم النظامي في السعوديّة. لكن، لم يتم قبوله في المدارس النظاميّة للصمّ. فالنظام التعليمي هنا يشترط إلحاق الأطفال الذين لا يعانون أي إعاقة في سنّ السادسة، فيما يشترط إلحاق الصمّ في السابعة من عمرهم".

بذل والدا حسين جهداً ليس بقليل ليتمكنا من إقناع المسؤولين في مجالَي التربية والتعليم، بأن صغيرهما يمتلك قدرات تمكّنه من الالتحاق بالمدرسة في هذه السنّ تماماً كما غيره من الأطفال الأسوياء.

هكذا، بدأ الطفل دراسته النظاميّة في "مدارس الأمل" الخاصة بالصمّ والبكم في مدينة جدّة غربي المملكة، وأتمّها بتفوّق. لكنه اصطدم بعدها بعائق محدوديّة فرص الدراسة الجامعيّة للصمّ، المحصورة في كلية الاتصالات في الرياض.

إلى خارج البلاد مجدداً
عندما رضخ للأمر الواقع والتحق بقسم التطبيقات المكتبيّة في الجامعة، تفاجأ بقلّة الفرص الوظيفيّة المتاحة أمام الصمّ والبكم بعد التخرّج من هذه الجامعة، وتبدّدت أحلامه. غير أنه قرّر السفر إلى الولايات المتحدة الأميركيّة بحثاً عن بادرة أمل أو خيط ما يقوده باتجاه تحقيق الحلم.

هناك، درس اللغة الإنكليزية في جامعة غايوديه في واشنطن العاصمة، في خلال سنتَين. وهي جامعة تضمّ خليطاً من الطلاب الصمّ والبكم والأسوياء الذين لا يعانون أي إعاقة. ولأن المنهج نفسه يُدرَّس للجميع، يترتّب على الصمّ أن يزيدوا جهودهم في التحصيل العلميّ ليتمكنوا من اللحاق ببقيّة الطلاب. وهو ما حدث مع حسين الذي نجح بتفوّق وتمّ تكريمه.

واليوم، يتابع الشاب سنته الدراسيّة الثانية في إدارة الأعمال في جامعة غايوديه نفسها، ويحلم أن يصبح مدرّساً للصمّ وأستاذاً جامعياً، بعدما ينجح في امتلاك القدرات التي من شأنها تأهيله لذلك.

كاريزما وفنّ
إلى جانب تفوّق حسين في الدراسة وشغفه بها، هو يخصّص مساحة كبيرة في حياته للفن والثقافة والإبداع. فهو يحبّ الرسم والخطّ العربيّ ويبرع في التمثيل. كذلك، هو قارئ جيّد ويتمتّع بكاريزما أكسبته صداقة عدد لا بأس به من الأشخاص من مختلف أنحاء العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن أصدقاءه يحبّون فيه شخصيته المرحة ووجهه الذي يتميّز ببشاشته الدائمة. كذلك، هو يتمتّع بقدرة على القيادة، جعلته بمثابة المتحدّث الرسمي الدائم باسم زملائه الصمّ. وهو أيضاً يتولى ترتيب رحلاتهم وأنشطتهم. وهذه مقوّمات دفعته قبل نحو أربعة أعوام إلى تأسيس المنتدى الأوّل للصمّ والبكم في وطنه السعوديّة.
المساهمون