أصدرت منظمة "كوميتي فور جستس" الحقوقية (تتخذ من جنيف مقراً لها)، الخميس، تقريراً عن انتهاكات حقوق الإنسان في مراكز الاحتجاز المصرية، خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين، أشارت فيه إلى توثيقها تفشي وباء كورونا في 28 مقراً للاحتجاز، في 8 محافظات مصرية، وهو ما يلقي بظلاله على حقوق المحتجزين، وذويهم.
وقالت المنظمة إنّ "فيروس كورونا، حصد أرواح 10 محتجزين حتى الآن، وموظف يعمل في سجن طرة بالقاهرة"، وأشارت إلى حصرها قائمة بأسماء 133 شخصاً، ما بين مصاب ومشتبه في إصابته بالعدوى داخل السجون المصرية، بينهم 109 محتجزين، و22 فرداً في جهاز الشرطة، وموظفين اثنين في مقار الاحتجاز.
وأشارت إلى أنّ حماية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، والدفاع عنهم من أولى مهام المنظمة، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستطردة بأنّ "تحقيق هذه المهمة يتطلب جمع البيانات، وتقديم صورة عالية المصداقية عن الحالة الحقوقية في المنطقة، عبر رصد وتوثيق الانتهاكات، ومتابعة تطور السياسات والممارسات، خصوصاً في الدول التي تعاني من نقص في المعلومات، وتضييق على العاملين في مجال حقوق الإنسان".
من جهته، قال المدير التنفيذي للمنظمة، أحمد مفرح، إنّ المنظمة حذرت في تقريرها السنوي، الحكومة المصرية، من مغبّة الاستمرار في تجاهل الأوضاع الصحية داخل السجون، ومراكز الاحتجاز، مع بداية انتشار وباء كورونا. وأضاف أنّ "أرقام المنظمة تأتي في ظلّ تغطية إعلامية أمنية، ومنع الاتصال والزيارات عن السجناء في كافة أماكن الاحتجاز بمصر".
وحمّل مفرح الحكومة المصرية المسؤولية كاملة، عمّا آلت إليه الأوضاع الآن داخل السجون، ولفت إلى أنّ المنظمة رصدت 201 انتهاك، ضمن سوء أوضاع الاحتجاز في 15 محافظة خلال مدة التقرير، وفي مقدمتها عدم توفّر سبل المعيشة الصحية، وانقطاع الاتصال بين السجناء وذويهم.
ووفقاً لشهادات محتجزين في منطقة سجون طرة في مارس/آذار الماضي، فإنّه بعد مرور أسبوعين على إيقاف الزيارات، نفد ما لدى المحتجزين من أدوات النظافة التي كانوا يحصلون عليها من خلال الزيارات. في الوقت ذاته، لم توفر مصلحة السجون تلك الأدوات، وحتى إن توفّرت، فهي تتوفر بكميات قليلة ونوعية رديئة.
كذلك رصد التقرير انقطاع اتصال المحتجزين بالعالم الخارجي، نتيجة منع الزيارات عنهم، في ظلّ هلع وخوف الجميع من انتشار فيروس كورونا، وكذلك عدم توفّر المياه النظيفة، سوى ساعتين فقط في اليوم، وعدم كفاية هذه الفترة للاهتمام بالنظافة والرعاية الشخصية والعامة.
كما نبّه التقرير إلى عدم توفّر أدنى معايير السلامة والصحة، داخل مقار الاحتجاز، فالشمس لا تدخل الزنازين، والتريّض ساعة واحدة فقط يومياً، والعلاج غير متوفّر، فضلاً عن صعوبة الخروج إلى المستشفى، وهو ما يتسبّب في نقص مناعة المحتجزين، وسرعة انتشار الفيروس.
وتحت عنوان "التكدّس قنبلة موقوتة"، قالت المنظمة إنه "رغم ازدياد عدد السجون ومقار الاحتجاز منذ عام 2013، فلا يزال أكثر من 114 ألف سجين يتكدّسون في مقار الاحتجاز، بمعدلات تفوق سعتها الاستيعابية بمراحل عديدة". وأضافت أنّ "تقريرها رصد 33 واقعة تكدس، وسوء تهوية في مقار الاحتجاز خلال شهري مارس وإبريل فقط، والتي تنوعت بين أقسام الشرطة، والسجون المركزية/ العمومية".
وقد ارتبط التكدس، قبل الجائحة، بسياسة التوسّع في الحبس الاحتياطي المطوّل، وتباطؤ إجراءات التقاضي، ولم يختلف الوضع بعدها بل ازداد سوءاً، إثر توقيف نحو 30 ألف فرد في شهر إبريل/نيسان فقط، بدعوى خرقهم قرار حظر التجوّل (حسب البيانات الرسمية)، علاوة على تعطيل جلسات التقاضي منذ منتصف شهر مارس/آذار، سواء في المحاكمات الجنائية أو في جلسات نظر أوامر تجديد الحبس، ما أدى بدوره إلى تكدس المزيد من المعتقلين.
وعن سوء المعاملة، رصد تقرير منظمة "كوميتي فور جستس"، 159 انتهاكاً، ضمن سوء المعاملة، شمل 6 محاور رئيسية، وتوزّعت ما بين 110 انتهاكات في 19 مقراً للاحتجاز، على الأقل في شهر مارس، و49 انتهاكاً في 10 مقرات احتجاز على الأقل، في شهر إبريل.
وأفاد التقرير بأنه "رغم ادعاء السلطات المصرية أمام المحافل الدولية حرصها على تقديم الرعاية الصحية للسجناء، إلا أنّ الوقائع التي رصدتها، ووثقتها المنظمة، منذ يوليو/تموز 2013، تشير إلى اتباع سلطات الاحتجاز نمطاً ممنهجاً لحرمان محتجزي وسجناء الرأي، من أولويات الرعاية الصحية، على اختلاف شرائحهم العمرية والأيديولوجية، ودرجات إصاباتهم، وأنواع الأمراض التي تصيبهم، بما يفضي إلى وفاتهم في حالات عديدة".
كذلك رصد فريق المنظمة وفاة 11 فرداً في 9 مقرات احتجاز مختلفة، بسبب الحرمان من الرعاية الطبية، بالإضافة إلى وفاة 3 أفراد، بسبب سوء أوضاع الاحتجاز بشكل عام، كذلك رصد 42 انتهاكاً حول الحرمان من الرعاية الصحية، خلال الشهرين المحددين.
وأوصت المنظمة بتخفيف تكدس السجناء داخل الزنازين، وتوفير المياه النظيفة، وأدوات النظافة، والمطهّرات، والتغذية الجيدة، والسماح بتريض المحتجزين، وتخصيص أماكن للعزل داخل مقار الاحتجاز، إلى جانب الحدّ من استخدام الحبس الاحتياطي المطوّل، وتفعيل بدائله الأخرى، المكفولة بنص المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية.
كما دعت إلى حصر أعداد المصابين بأمراض تهدد الحياة، وتزيد احتمالات الإصابة بفيروس كورونا بين المحتجزين، والإفراج عنهم، وتأجيل تنفيذ العقوبات، وتفعيل نص المادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية، وكذلك الإفراج عن كبار السن، والسجينات الحوامل، والمرضعات، والغارمات، والمحكوم عليهن بجرائم بسيطة، مع اتخاذ الإجراءات والتدابير الاحترازية.
وجدّدت المنظمة مطالبها بوقف ممارسات الإخفاء القسري للمعارضين السياسيين، وفحص المحجوزين حديثاً، والتوسّع في أخذ مسحات فيروس كورونا للسجناء، وعزل المشتبه بهم على ألا يتم ذلك بصورة الحبس الانفرادي، وكذلك فحص الضبّاط والموظفين المخالطين للسجناء، وتعقيم السجون ومقرّات الاحتجاز، وكافة متعلّقات السجناء بشكل دوري.
وطالبت "كوميتي فور جستس"، بوقف تنفيذ تدابير المراقبة من داخل أقسام الشرطة، وتنفيذها من مسكن المراقب كحلٍ بديل، واحترام ما أقرّه القانون، مع تركيب أساور إلكترونية بمعصمهم إذا لزم الأمر، ومدّ مستشفيات السجون بأجهزة التنفس الصناعي، والمستلزمات الطبية اللازمة، وتوفير فرق طبية ذات كفاءات عالية لمواجهة الوباء، وعلاج المصابين داخلها.
ودعت أيضاً إلى السماح للسجناء بإحضار المنظفات، والكمامات، والملابس النظيفة، والدواء، والغذاء، وتعقيمها جميعاً قبل دخولها لمقار الاحتجاز، والسماح لهم كذلك بإجراء الاتصالات الهاتفية، وإرسال واستقبال الرسائل الهاتفية، التزاماً بأحكام المادة 38 من قانون تنظيم السجون، وفتح الزيارات داخل كابينة زجاجية عبر سماعة، كما هو معتاد في بعض السجون.
وختمت المنظمة تقريرها بمطالبة النيابة العامة بتفتيش كامل مقار الاحتجاز، والسماح لنقابة الأطباء، ووزارة الصحة، ومنظمات المجتمع المدني بتقديم المساعدة، والتأكد من توفر الرعاية الطبية اللازمة، مع إلغاء عقوبة الحبس المقررة لخرق حظر التجوّل، لتخفيف التكدس داخل مقار الاحتجاز، والإعلان عن الإصابات والوفيات، داخل مقار الاحتجاز، سواء كانوا سجناء، أو محتجزين، أو موظفين أو ضباطا.