المهاجرون الهاربون من ديارهم أكبر كوارث الألفية الثالثة. أعدادهم بعشرات الملايين، أمّا حلّ مشاكل بلادهم فربما لا يأتي في المدى المنظور
أرقام الأمم المتحدة الخاصة بالمهاجرين باختلاف تصنيفاتهم خطيرة في تشعبها، خصوصاً أنّ الحروب والصراعات ليست السبب الوحيد في تهجير هؤلاء من أوطانهم. الفقر وانعدام المساواة والفساد والقمع والاضطهاد، وكل ما يخطر في البال من قهر الإنسان للإنسان أسباب أخرى للتشرد العالمي الذي لا يعرف حدوداً أو ديناً أو عرقاً.
لا تختلف أرقام الأمم المتحدة، بمنظماتها المختلفة، كثيراً عن أرقام منظمات ودول، فهي تظهر فظاعة المشهد الذي يعيشه هؤلاء الملايين، من الأطفال والنساء وكبار السن والشباب وغيرهم. هم الذين خططوا ربما لمستقبلهم في أوطانهم فباتوا مضطرين لركوب غمار الموت غرقاً، ولم يختلف المشهد عام 2017 عن 2015 و2016.
الرقم الرسمي أكثر من 66 مليوناً، من بينهم 21 مليون طفل. وربما شكل صيف وخريف عام 2015 الوقت الأصعب على أوروبا والمهاجرين إليها إذ انتقل نحوها بحراً أكثر من مليون إنسان. لم تكن رحلة المليون مجانية على الإطلاق، بل كانت وما زالت باهظة الثمن بأرواح البشر. تعلق ربما صورة الطفل السوري إيلان في البال، لتذكّرنا بفداحة الثمن، بيد أنّنا أمام أثمان أخرى تتجاوز الآلاف من البشر كلّ عام. ابتلع البحر الأبيض المتوسط قبل سنتين ما يصل إلى 4 آلاف شخص، منها أرواح ما زالت مصنفة بين ضفتي الموت والحياة بتعريف "مفقودين". وربما شكلت حادثة اختناق العشرات، كباراً وصغاراً، في شاحنة التهريب على الطريق السريع في النمسا صورة لجشع آخر في مسيرة تهريب تلك الأرواح والاتجار بها، تماماً كما تكدست مراكب متهالكة، بعضها مطاطي، بهاربين إلى ما يتخيلونه الفردوس على الشاطئ الآخر.
المفجع في المشهد هو الفئة الأضعف. فبينما نرى على الشاشات شباناً ورجالاً يخوضون غمار التجربة، تكشف الأرقام فداحة الثمن. فهناك 33 في المائة من الأطفال من بين هؤلاء الذين يبتلعهم البحر المتوسط وبحر إيجه، و19 في المائة من النساء. وقبل عامين، شكّل السوريون ما نسبته 38 في المائة من هؤلاء.
اقــرأ أيضاً
من الصحيح أنّ البحرية الإيطالية، ووكالات خفر السواحل الأوروبية الأخرى، تنقذ أرواحاً قبل الغرق. لكن، من الصحيح أيضاً أنّ تقارير الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية الدولية، تحدثتا عما يجري من بشاعة تصل إلى حدّ العبودية على الشاطئ الجنوبي. فقد حمل العام 2015 معه انهياراً أخلاقياً في مسألة الاتجار بالبشر، وسعي أوروبا نحو تجنيب مجتمعاتها وصول هؤلاء المحتاجين للحماية إلى برها. أصوات شعبوية عديدة ارتفعت يميناً منذ "التدفق الكبير" في ذلك العام. مجتمعات عديدة أنشأ فيها هذا التدفق تغييرات كثيرة وكبيرة، كالسويد التي كانت حتى عام 2012 الأكثر انفتاحاً وتسامحاً، باتت اليوم الأكثر "ضجراً" من المهاجرين. بذلك، فالأثمان لم تكن بسيطة في قراءة الأوروبيين لانعكاسات اللجوء، خصوصاً الدول الأكثر استقبالاً للمهاجرين.
في وسط أوروبا وشمالها اتجهت سياسات دول عدة نحو التشدد ووضع تشريعات صارمة تعدّل القوانين. بعض الدول يهدد وينادي حتى يومنا بتبني "النموذج الأسترالي" بنقل المهاجرين نحو معسكرات في أفريقيا. يضاف إلى كلّ ذلك تقطع السبل بالآلاف، في الجزر اليونانية وتركيا وغيرها، بين من وصل على أمل لمّ شمل أسرته وما أحدثته تلك التشديدات من نسف لذلك.
فتحت موجات الهجرة أيضاً الباب على مصراعيه لنقاشات فرعية أخرى في دول الشمال الأوروبي. هي قضايا يراها البعض جوهرية، وآخرون ثانوية، لكنّها أخذت مجالها في النقاش العام. فعدا عن تنامي اتهام المهاجرين بالتطرف والإرهاب، ومساهمة أنظمة دول المنشأ في بروباغندا إعلامية لم تأتِ مصادفة كحال النظام السوري، فإنّ الأمر الآخر أيضاً هو المتعلق بما يسمى "زيجات القاصرات". بالتأكيد، صُدم البعض في تلك المجتمعات من إصرار ثلاثيني على أن يعيش مع زوجته البالغة من العمر خمسة عشر عاماً، لكنها لم تكن القصة الوحيدة، بل تحولت إلى قصص في دول إسكندنافيا وفي ألمانيا وهولندا، واقتضت إدخال تعديلات قانونية كبيرة. وفي تعديلات أخرى أصيب أيضاً بشظايا الأزمة مواطنون أوروبيون أصليون، كما شهدنا في قصص مهاجرين دنماركيين جاؤوا بزوجاتهم من أميركا وتايلاند فاضطرتهم تلك التعديلات للدخول في حروب قانونية للإبقاء عليهن وعلى أطفالهم في البلاد.
اقــرأ أيضاً
أرقام الأمم المتحدة الخاصة بالمهاجرين باختلاف تصنيفاتهم خطيرة في تشعبها، خصوصاً أنّ الحروب والصراعات ليست السبب الوحيد في تهجير هؤلاء من أوطانهم. الفقر وانعدام المساواة والفساد والقمع والاضطهاد، وكل ما يخطر في البال من قهر الإنسان للإنسان أسباب أخرى للتشرد العالمي الذي لا يعرف حدوداً أو ديناً أو عرقاً.
لا تختلف أرقام الأمم المتحدة، بمنظماتها المختلفة، كثيراً عن أرقام منظمات ودول، فهي تظهر فظاعة المشهد الذي يعيشه هؤلاء الملايين، من الأطفال والنساء وكبار السن والشباب وغيرهم. هم الذين خططوا ربما لمستقبلهم في أوطانهم فباتوا مضطرين لركوب غمار الموت غرقاً، ولم يختلف المشهد عام 2017 عن 2015 و2016.
الرقم الرسمي أكثر من 66 مليوناً، من بينهم 21 مليون طفل. وربما شكل صيف وخريف عام 2015 الوقت الأصعب على أوروبا والمهاجرين إليها إذ انتقل نحوها بحراً أكثر من مليون إنسان. لم تكن رحلة المليون مجانية على الإطلاق، بل كانت وما زالت باهظة الثمن بأرواح البشر. تعلق ربما صورة الطفل السوري إيلان في البال، لتذكّرنا بفداحة الثمن، بيد أنّنا أمام أثمان أخرى تتجاوز الآلاف من البشر كلّ عام. ابتلع البحر الأبيض المتوسط قبل سنتين ما يصل إلى 4 آلاف شخص، منها أرواح ما زالت مصنفة بين ضفتي الموت والحياة بتعريف "مفقودين". وربما شكلت حادثة اختناق العشرات، كباراً وصغاراً، في شاحنة التهريب على الطريق السريع في النمسا صورة لجشع آخر في مسيرة تهريب تلك الأرواح والاتجار بها، تماماً كما تكدست مراكب متهالكة، بعضها مطاطي، بهاربين إلى ما يتخيلونه الفردوس على الشاطئ الآخر.
المفجع في المشهد هو الفئة الأضعف. فبينما نرى على الشاشات شباناً ورجالاً يخوضون غمار التجربة، تكشف الأرقام فداحة الثمن. فهناك 33 في المائة من الأطفال من بين هؤلاء الذين يبتلعهم البحر المتوسط وبحر إيجه، و19 في المائة من النساء. وقبل عامين، شكّل السوريون ما نسبته 38 في المائة من هؤلاء.
في وسط أوروبا وشمالها اتجهت سياسات دول عدة نحو التشدد ووضع تشريعات صارمة تعدّل القوانين. بعض الدول يهدد وينادي حتى يومنا بتبني "النموذج الأسترالي" بنقل المهاجرين نحو معسكرات في أفريقيا. يضاف إلى كلّ ذلك تقطع السبل بالآلاف، في الجزر اليونانية وتركيا وغيرها، بين من وصل على أمل لمّ شمل أسرته وما أحدثته تلك التشديدات من نسف لذلك.
فتحت موجات الهجرة أيضاً الباب على مصراعيه لنقاشات فرعية أخرى في دول الشمال الأوروبي. هي قضايا يراها البعض جوهرية، وآخرون ثانوية، لكنّها أخذت مجالها في النقاش العام. فعدا عن تنامي اتهام المهاجرين بالتطرف والإرهاب، ومساهمة أنظمة دول المنشأ في بروباغندا إعلامية لم تأتِ مصادفة كحال النظام السوري، فإنّ الأمر الآخر أيضاً هو المتعلق بما يسمى "زيجات القاصرات". بالتأكيد، صُدم البعض في تلك المجتمعات من إصرار ثلاثيني على أن يعيش مع زوجته البالغة من العمر خمسة عشر عاماً، لكنها لم تكن القصة الوحيدة، بل تحولت إلى قصص في دول إسكندنافيا وفي ألمانيا وهولندا، واقتضت إدخال تعديلات قانونية كبيرة. وفي تعديلات أخرى أصيب أيضاً بشظايا الأزمة مواطنون أوروبيون أصليون، كما شهدنا في قصص مهاجرين دنماركيين جاؤوا بزوجاتهم من أميركا وتايلاند فاضطرتهم تلك التعديلات للدخول في حروب قانونية للإبقاء عليهن وعلى أطفالهم في البلاد.
منذ عام 2015 بدأت تطفو على السطح قسوة مشهد أسباب اللجوء والهجرة. فحين تقدم الدول، ومنظمات الهجرة العالمية، أرقاماً عن هؤلاء الذين يسمّون "مهاجرين من دون مرافقين" فنحن أمام مئات آلاف حالات القصّر والأطفال. بعضهم، والرقم الرسمي في أوروبا 100 ألف حالة بزيادة 3 مرات عن عام 2014، خاض كالكبار أيضاً الهروب بحراً. تعرض هؤلاء لأبشع أنواع المعاملة، سواء الاستغلال الجنسي للإناث والذكور، الموثق في تقارير حقوقية، أو العبودية في مزارع ومصانع في مناطق محددة. وليس غريباً أن تزداد تلك الحالات بازدياد أعداد المهاجرين خلال سنوات خمس فقط بنسبة 50 في المائة.
كل التهويل الأوروبي عن استقبال مليون طالب لجوء قابلته أصوات عاقلة تذكر أنّ "90 في المائة من مهاجري العالم المشردين من أوطانهم يقيمون في الواقع على أراضي أفقر الدول على الإطلاق، ولا يمكن توقع أن يبقى هؤلاء حيث هم". لم تتراجع العام الماضي أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المعلن عنها أخيراً عن العام الذي سبقه، فبالرغم من الأثمان في الأرواح، والتشديدات الكبيرة على القوانين فقد شهد عام 2016 تزايداً رهيباً في أعداد الذين شردوا داخل بلادهم ودول الجوار. وتذهب منظمة "عون اللاجئين" الرسمية في كوبنهاغن، ومثلها دائرة الهجرة في استوكهولم، وألمانيا، إلى التحذير: "نحن أمام حالة تشريد كبيرة بنتيجة النزاعات المتصاعدة أكثر بأربع مرات عن السابق". تناشد منظمات كثيرة بضرورة "التدخل لحل النزاعات وأسباب الهجرة"، لكنّ المقلب الآخر للمشهد فيه نوع من الرعب بالمتاجرة بقضية هؤلاء. فهناك مشاريع وهمية كثيرة تخوضها مؤسسات أوروبية في "الترحيل وإعادة التوطين" في البلد الأصلي. وقد كشفت تقارير كثيرة كيف أنّ هذه القضية يستفاد منها في إيطاليا ودول اسكندنافية في ما يتعلق بإعادة نساء من نيجيريا.
أسباب مسكوت عنها
يطلب مدافعون عن المهاجرين أن "يوقف الغرب التغاضي عن سياسات القمع والتدمير الممنهجة في أنظمة تمنح شركات رأسمالية غربية عقوداً اقتصادية، فيطحن بنتيجتها الشعوب بالملايين". ويشير آخرون إلى أنّ من أسباب كارثة الهجرة أيضاً التغيرات المناخية، مشيرين إلى أنّ الدول الصناعية تتحمل مسؤولية الانبعاثات وتأثيراتها على الشعوب.
كل التهويل الأوروبي عن استقبال مليون طالب لجوء قابلته أصوات عاقلة تذكر أنّ "90 في المائة من مهاجري العالم المشردين من أوطانهم يقيمون في الواقع على أراضي أفقر الدول على الإطلاق، ولا يمكن توقع أن يبقى هؤلاء حيث هم". لم تتراجع العام الماضي أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المعلن عنها أخيراً عن العام الذي سبقه، فبالرغم من الأثمان في الأرواح، والتشديدات الكبيرة على القوانين فقد شهد عام 2016 تزايداً رهيباً في أعداد الذين شردوا داخل بلادهم ودول الجوار. وتذهب منظمة "عون اللاجئين" الرسمية في كوبنهاغن، ومثلها دائرة الهجرة في استوكهولم، وألمانيا، إلى التحذير: "نحن أمام حالة تشريد كبيرة بنتيجة النزاعات المتصاعدة أكثر بأربع مرات عن السابق". تناشد منظمات كثيرة بضرورة "التدخل لحل النزاعات وأسباب الهجرة"، لكنّ المقلب الآخر للمشهد فيه نوع من الرعب بالمتاجرة بقضية هؤلاء. فهناك مشاريع وهمية كثيرة تخوضها مؤسسات أوروبية في "الترحيل وإعادة التوطين" في البلد الأصلي. وقد كشفت تقارير كثيرة كيف أنّ هذه القضية يستفاد منها في إيطاليا ودول اسكندنافية في ما يتعلق بإعادة نساء من نيجيريا.
أسباب مسكوت عنها
يطلب مدافعون عن المهاجرين أن "يوقف الغرب التغاضي عن سياسات القمع والتدمير الممنهجة في أنظمة تمنح شركات رأسمالية غربية عقوداً اقتصادية، فيطحن بنتيجتها الشعوب بالملايين". ويشير آخرون إلى أنّ من أسباب كارثة الهجرة أيضاً التغيرات المناخية، مشيرين إلى أنّ الدول الصناعية تتحمل مسؤولية الانبعاثات وتأثيراتها على الشعوب.