قوزاق روسيا يبحثون عن هويتهم

24 ابريل 2019
صياد قوزاقي في نهر الدون (فاليري ماتيتسن/ Getty)
+ الخط -
منذ قرون عدة، عُرف قوزاق روسيا بهويتهم الخاصة ومهاراتهم القتالية المميزة، وشاركوا في مواجهة القوات الفرنسية بقيادة نابليون بونابارت في عام 1812، وبعدها في الحرب الروسية - العثمانية في عامي 1877 - 1878.

لكن، بعد ثورة البلاشفة في عام 1917 واندلاع الحرب الأهلية بين الحرسين الأبيض والأحمر، تعرضوا لعمليات قمع عنيفة أسفرت عن انخفاض أعداد القوزاق المقيمين على ضفاف نهر الدون جنوبي البلاد، بمقدار النصف بحلول عام 1921. بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، صدر قانون "رد الاعتبار للشعوب التي تعرضت للقمع" ليشمل القوزاق، فعادوا مرة أخرى إلى البحث عن هويتهم داخل المجتمع الروسي والاندماج فيه.
ومن أجل ذلك، أسس القوزاق عدداً من المنظمات توحد صفوف جالياتهم، كما يستعدون لإنشاء محكمة خاصة بهم، وينظم القانون الفدرالي خدمة القوزاق بمؤسسات الدولة الروسية. وبحسب تعداد السكان الذي أجري في عام 2010، فإنّ عدد المواطنين الذين يعتبرون أنفسهم من القوزاق بلغ نحو 68 ألفاً فقط. لكنّ تقديرات غير رسمية تشير إلى عشرات أضعاف هذا الرقم، شاملة من ينتمون إلى هويتهم الثقافية والتاريخية، لا العرقية وحدها.

في هذا الإطار، يقدر المنسق الإعلامي للقوزاق بالدائرة الفدرالية الوسطى الروسية، فاليري روزانوف، نسبة القوزاق بين سكان روسيا بما يتراوح ما بين 10 و15 في المائة يتميزون بهوية وثقافة وأنماط حياة خاصة بهم. يقول روزانوف في حديث إلى "العربي الجديد": "هناك قسمان من القوزاق، أولهما من وقعوا عقداً مع الدولة لأداء الخدمة الحكومية، ويضم ثانيهما أفراد المنظمات الأهلية للقوزاق سواء أكانت مسجلة كشخصيات اعتبارية أم لا".



وحول أهم خصائص هوية القوزاق، يضيف: "يتميز القوزاق بأنّهم يعتبرون أنفسهم مقاتلين، فينقلون فنون القتال من جيل إلى جيل في أوقات الحرب والسلم على حد سواء". أما عمليات القمع التي تعرضوا لها من قبل الدولة السوفييتية الوليدة، فيوضح أنّ "ذلك كان زمن الاضطهاد واصطدام القيم والحرب الأهلية، فلم يطاول القوزاق وحدهم، إنما أيضاً الشعوب الأخرى مثل الشيشان والكالميك، وبالدرجة الأولى الشعب الروسي نفسه".

مع استقرار الأوضاع في روسيا ما بعد السوفييتية ورد الاعتبار للقوزاق وتحسن علاقاتهم مع الدولة، بات بعضهم يدافع عن مصالحها حتى خارج الأراضي الروسية. وشوهد قوزاق نهر الدون، وهم يشاركون في عمليات عسكرية في منطقة دونباس الواقعة شرقي أوكرانيا، الموالية لروسيا، دفاعاً عن أيديولوجيا "العالم الروسي"، وحتى في سورية التي تشن موسكو عملية عسكرية فيها منذ خريف عام 2015.

وفي عام 2017، تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، صورة لاثنين من القوزاق أسرهما وأعدمهما تنظيم "داعش" الإرهابي، تردد أنّهما كانا يشاركان في عمليات برية في صفوف شركة عسكرية خاصة. في ما يتعلق بدوافع بعض القوزاق للسفر إلى الخارج للقتال، يقول روزانوف: "هناك متطوعون قوزاق توجهوا إلى أوكرانيا وسورية حتى من دون نداء من الدولة، لأنهم يتسمون بالشعور العالي بالعدالة" على حد وصفه.

مع تزايد مشاركة القوزاق في الحياة الاقتصادية والاجتماعية الروسية، تمت المصادقة مؤخراً على تشكيل أول محكمة تحكيم خاصة بالقوزاق للبتّ في القضايا غير الجنائية، مع مراعاة نمط حياتهم في حدود لا تتعارض مع القانون الفدرالي الروسي. ويوضح روزانوف طبيعة اختصاصات تلك المحكمة: "سيبتّ التحكيم في النزاعات الاقتصادية والشخصية مع مراعاة عقلية القوزاق، مثلما تأخذ المحاكم العسكرية خصائص الخدمة بالجيش بعين الاعتبار. ستكون قرارات التحكيم ملزمة للتنفيذ وغير قابلة للطعن".

وفي مجال التعليم العالي، تحمل جامعة موسكو الحكومية للتكنولوجيا والإدارة اسم أول رئيس روسي لأكاديمية بطرسبورغ للعلوم، كيريل رازوموفسكي، الذي تعود أصوله إلى قوزاق منطقة مالوروسيا التاريخية، وتفتح أبوابها أمام الطلاب القوزاق. ويؤكد روزانوف أنّ أبناء القوزاق يمكنهم الالتحاق بالدراسة الجامعية مجاناً بموجب الحصص المخصصة لهم.



ولما كانت المسيحية الأرثوذكسية هي الديانة السائدة بين القوزاق، فإنّ روزانوف يشير إلى عدد لا بأس به من المسلمين بينهم كانوا يشكلون نحو 400 كتيبة مسلمة (كونهم مقاتلين) قبل ثورة البلاشفة، كما أنّ القوزاق المسلمين لهم قيادتهم الروحية الخاصة بهم اليوم.

وكونهم جزءاً لا يتجزأ من تاريخ روسيا، وجد القوزاق انعكاساً لهم في مرآة الفن والأدب الروسيين، إذ تدور أحداث ملحمة "الدون الهادئ" للروائي، ميخائيل شولوخوف، بين عامي 1912 و1922، في أرض القوزاق، وتتناول مصيرهم في حقبة الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) والحرب الأهلية (1917 - 1922).