قبائل باكستان محرومة من التعليم

14 اغسطس 2016
مستقبلهم مهدد دائماً (جون مور/ Getty)
+ الخط -

لم ترحم الحروب ولا إهمال الحكومات المتعاقبة والمجتمع الدولي المناطق القبلية الباكستانية، التي ازدادت حرماناً وتخلفاً في جميع مناحي الحياة، لا سيما التعليم. مئات المدارس أغلقت أبوابها بسبب الحروب، فيما كان الفساد سيّد الموقف عند تأسيس مدارس جديدة وتوظيف مدرّسين فيها، يُضاف إلى ذلك عدم وجود مدارس عصرية متطوّرة تتوافق ومتطلبات عصرنا الحاضر.. هذه أبرز الأسباب، التي ساهمت في تفاقم تدهور قطاع التعليم في تلك المناطق.

لم تكن أوضاع قطاع التعليم مثالية أبداً في منطقة القبائل، منذ انفصال باكستان عن الهند في عام 1947، إلا أنّ العملية التعليمية استمرت على الرغم من الثغرات الكثيرة. ومع ظهور الجماعات المسلحة وإنشاء معاقل لها في منطقة القبائل، راح الجيش الباكستاني يشنّ عمليات عسكرية ضدّها في شمال وزيرستان، لتمتدّ إلى المقاطعات كلها في الفترة الأخيرة. فدُمّر قطاع التعليم بصورة شبه كاملة. يُذكر أنّ المدارس التي نجت من الدمار، فرغت بعدما نزح سكان تلك المناطق بمعظمهم من منازلهم إلى مدن باكستانية مختلفة، أو لجأوا إلى أفغانستان.

تفيد إحصائية رسمية بأنّ أكثر من 1500 مركز تعليمي دُمّر من جرّاء المعارك بين الجيش الباكستاني والجماعات المسلحة في المناطق القبلية، مذ أطلق الجيش عمليته "ضرب الغضب" في يونيو/ حزيران 2014. وتضيف أنّ المسلحين عمدوا إلى قتل عشرات المدرّسين والمدرّسات بذرائع مختلفة. ومن بين المدرّسات وموظفات مدارس البنات، اللواتي تعرّضن للاغتيال خلال الأعوام الأخيرة، كلثوم خان (35 عاماً) التي كانت تدرّس في مقاطعة خيبر القبلية. كانت كلثوم في طريقها إلى المنزل عندما تعرّضت لكمين وفتح المسلحون عليها النار، فأردوها على الفور.

في المخيمات التي أقامتها الحكومة الباكستانية بالتعاون مع المجتمع الدولي، في مناطق مختلفة من البلاد للنازحين من المناطق القبلية، عانى هؤلاء كثيراً. حاولت الحكومة الباكستانية والمؤسسات المحلية والدولية توفير احتياجاتهم بصورة أو بأخرى، لكنّ أولادهم ظلوا محرومين من التعليم على الرغم من بعض المدارس المنشأة داخل المخيمات.

مروت علي، من شيوخ القبائل، يقول إنّ "توفير فرصة التعليم لأولادنا في المخيمات أمر قد لا توفّره الحكومة كما يلزم. نطالب بالعودة إلى الديار لكي نعيد إعمار كلّ شيء من جديد". يضيف أنّ "إعادة إعمار المدارس قد تحتاج إلى فترة طويلة، لكنّ تعليم أولادنا هو الأساس".




اهتمام مفقود

يسأل محمد زمان من سكّان المناطق القبلية: "ابني، ماذا عساه أن يفعل في حال درس وتعلّم، وسط عدم اهتمام الحكومة بمناطقنا التي دمّرتها الحروب وعدم توفّر أي فرصة للعمل؟". يضيف أنّ ابنه سوف يرافقه إلى الحقل ويعمل مزارعاً، كما يفعل هو وكما فعل والده من قبله. وما يقوله زمان هو لسان حال جميع سكان المناطق القبلية، على الرغم من كل التطوّر الفكري في الفترة الأخيرة. ويمكن القول إنّ من الصعب جداً إقناع الأهل بإرسال أولادهم إلى المدارس، لا سيّما أنّ التعليم يتطلب مبالغ ضخمة. سكان المناطق القبلية بمعظمهم فقراء، ومصدر دخلهم الأساسي هو إمّا من الزراعة أو التجارة، سواء في باكستان أو أفغانستان. وقد تأثّر سكّان طرفَي الحدود كثيراً بفعل الحروب والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الباكستانية أخيراً. هكذا، صارت التجارة شبه معدومة بين الدولتين.

وفي تعليق على اهتمام القبائل بالتعليم، يقول الناشط الاجتماعي القبلي، محمد فيض، إنّ "القبائل وكما هو معلوم، لم تكن تهتم بالتعليم كثيراً، شأنها شأن المناطق الباقية. لكنّ اهتمام الحكومة والمجتمع الدولي بالأخيرة، أخرجها من تلك الحالة، فيما بقيت المناطق القبلية كما هي وأصبحت في السنوات الأخيرة مسرحاً لصراع القوى العالمية".

تفجير مدارس

وفي حين دُمّرت مئات المدارس بفعل القتال، فجّر المسلحون أكثر من 300 مدرسة للبنين والبنات خلال السنوات الأخيرة، من دون أن يعرف أحد السبب. في الغالب، يزرع المسلحون المتفجرات في مباني المدارس في الليل ليفجّروها لاحقاً. ولعلّ الخطورة تكمن في أنّ هذه التفجيرات امتدت إلى المناطق المحاذية في شمال غرب باكستان، كمدينة مردان وصوابي وكوهات وهنجو. وقد فشلت الحكومة والقوات المسلحة الباكستانية في التصدّي للعصابات والجماعات المسلحة المسؤولة عنها.

أمّا في الآونة الأخيرة، فقد اتّخذت الحكومة الباكستانية سلسلة إجراءات في المناطق القبلية الباكستانية في حملة تحت عنوان "جودة التعليم"، وقرّرت دمج المدارس الصغيرة. تقول مصادر قبليّة إنّ نحو 400 مدرسة سوف تغلق أبوابها في حال طُبّقت هذه الخطوة. وبينما ينتقد بعض زعماء القبائل قرار الحكومة، تبرّر السلطات المعنيّة بأنّ مئات المدارس في المناطق القبلية أنشئت من دون تخطيط. ولأنّ أعداد التلاميذ والتلميذات غير كاف في كثير منها، اتخذت الحكومة قرار الدمج للحدّ من المصاريف. لكنّ سكان المناطق القبلية يصرّون على أنّ القرار يأتي ضربة للعملية التعليمية في مناطقهم.




توجّه إلى المدارس الخاصة

تقول زينب ولي، وهي مدرّسة في منطقة القبائل إنّ "المدارس الحكومية تفتقر إلى النظام والانضباط. في كثير من الأحيان، يتغيّب المدرّسون والمدرّسات لعدم وجود مراقبة عليها. إلى ذلك يُضاف ضعف مستوى التلاميذ والتلميذات في المدارس الحكومية، بالمقارنة مع المدارس الخاصة".

وراحت المدارس الخاصة تحلّ محلّ المدارس الحكومية ويتزايد عددها، لا سيما أنّ الأهالي يفضّلونها. وقد أنشئت في الأشهر الأخيرة نحو 140 مدرسة خاصة في مقاطعة خيبر القبلية وحدها، فيما وصل عددها في مقاطعة كرم إلى 70 مدرسة وفي مقاطعة باجور إلى 54 مدرسة. وبدأ الترويج لتلك المدارس الخاصة في كل المقاطعات القبلية، خصوصاً تلك التي أخليت من الجماعات المسلحة.

تعليم الفتيات

عقبة أساسية أخرى تُسجّل في مجال التعليم في المناطق القبليّة، إذ تفيد إحصاءات عديدة بأنّ شريحة ضئيلة من بنات القبائل تقصد المدارس، فيما هنّ محرومات بمعظمهنّ من التعليم، لا سيما هؤلاء اللواتي تجاوزن الثالثة عشرة من عمرهنّ. العادات والأعراف القبلية تحرم المرأة من التعليم، إذ كثيرة هي القبائل التي لا تعترف بحقّها في التعليم وتعتقد أنّها خلقت للبيت. كذلك، فإنّ الوضع المعيشي من أبرز العقبات في وجه تعليم الذكور والإناث على حدّ سواء. ويسأل فيض: "الآباء الذين لا يحتملون إرسال أبنائهم إلى المدارس بسبب الظروف المعيشية الصعبة، كيف يرسلون بناتهم إليها في ظل الأعراف القبلية المعقدة؟". ويأتي زواج الفتيات المبكر كواحد من أسباب حرمان المرأة القبلية من التعليم. في تلك المناطق، تتزوج الفتيات ابتداءً من الرابعة عشرة.

في الإطار نفسه، تهدد الجماعات المسلحة الأهالي، الذين كانوا يرسلون بناتهم إلى المدارس، بالقتل والخطف وغيرهما. وعلى خلفية هذه التهديدات، كثيرة هي العائلات التي تركت المناطق القبلية من أجل تعليم بناتها، قبل الموجة الدامية من الحروب في السنوات الأخيرة. من هؤلاء، برويز خان الذي ترك مقاطعة شمال وزيرستان في عام 1997 لتعليم أولاده، خصوصاً بناته الثلاث. ويشعر خان اليوم بسعادة فائقة، بعدما تخرّج أولاده جميعاً وقد درسوا الطب والهندسة والطيران والتعليم.

في الأشهر الأخيرة، سُجّلت محاولات محلية ودولية لترميم قطاع التعليم في المناطق القبلية. وبينما قامت الحكومة الباكستانية بالتعاون مع الجيش بإعادة إعمار وإنشاء نحو ألف مدرسة، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حملة بالتعاون مع الحكومة الباكستانية لتعليم أكثر من 30 ألف طفل وطفلة في المناطق القبلية الباكستانية ومناطق الشمال الغربي. لكنّ كل هذه المحاولات تبقى ضئيلة، نتيجة الوضع المتردي في قطاع التعليم في تلك المناطق.

دلالات