قناة بوزدوغان... قناطر أثرية ومجارٍ مائية في إسطنبول

21 ابريل 2019
مزار سياحي (العربي الجديد)
+ الخط -


قناة نقل المياه المرتفعة بوزدوغان من أبرز معالم مدينة إسطنبول. وتقع القناة في منطقة الإطفائية، بحي الفاتح، وتلتبس هويتها على السائحين، إذ يخطئون بينها وبين القناطر، فيحسبون أنّها من بقايا سور القسطنطينية، الذي يضفي خصوصية على الشارع المتوجه نحو ساحة تقسيم، حيث أن ممر السيارات هنا إجباري من تحت القناطر.

تعود قناة الماء المعلقة التي تمتد ما بين القمة الثالثة، أي مكان وجود جامعة إسطنبول اليوم، والقمة الرابعة، مكان وجود كنيسة هافاريون، جامع الفاتح اليوم، إلى الآثار المعمارية العائدة لمرحلة روما الأخيرة ومرحلة بيزنطة الأولى، إذ عرفت هذه القناة باسم "هادريانوس" و"فالنس" في المرحلتين الرومانية والبيزنطية، وإن لم يعرف تاريخ إنشائها بالتحديد، وإن كانت بعض المصادر التاريخية تشير إلى أنّها أنشئت ما بين عامي 117 و138 للميلاد، وهي مرحلة حكم هادريانوس الروماني، أو ما بين عامي 364 و378، وهي مرحلة حكم فالنس الروماني.

كذلك، تذكر المصادر أنّ ثمة ترميمات عدة لحقت بهذه القناة، منها في عام 576، زمن اليوستينوس الثاني، وما بين 741 و775 زمن قسطنطين الخامس، وفي عام 1019 زمن باسيليوس الثاني. وفي الأعوام التي أعقبت القرن الحادي عشر تعرضت القناة للضرر نتيجة تعرض المدينة للحصار والاستيلاء، واستمرت الترميمات والتحسينات بالقناة المائية المرتفعة بوزدوغان بعد فتح القسطنطينية على يد العثمانيين، إذ أمر السلطان محمد الفاتح بترميم قناة الماء وشبكة المياه وإضافة ما يلزم إلى الشبكة من أجل حلّ مشكلة المياه في إسطنبول، لتتوالى عمليات الترميم والتحسين مرات عدة، خلال حكم السلطان بيازيد الثاني والسلطان سليمان القانوني والسلطان مصطفى الثاني، وهذا ما ساعد على بقاء هذه القناة التاريخية صامدة حتى اليوم، بالرغم من تبدل دورها الوظيفي، إذ لم تعد تنقل المياه، بل يقتصر دورها على المجال الجمالي والأثري التاريخي.

تقول بعض كتب التاريخ إنّ أول استخدام لقناة بوزدوغان كان في القرن السادس من أجل إيصال ماء "السارينجي" إلى القصور وحمام "أخيليوس" فضلاً عن سقاية الحقول والبساتين المجاورة لقصور الملوك ولاحقاً السلاطين. ومع تبدل الدور الوظيفي للقناة التي ترتفع عن سطح البحر بنحو 63.5 متراً، وترتفع عن الأرض بمنطقة الفاتح داخل إسطنبول بنحو 28 متراً، تبدلت أطوالها وتهدّم بعض أجزائها، فمن أكثر من كيلومتر واحد في أوائل العهد البيزنطي، تراجع طولها اليوم إلى 921 متراً.
يظن السياح أن قناطرها جزء من سور القسطنطينية (العربي الجديد) 


يبقى مرور الطريق بشارع أتاتورك من تحت القناة ربما العلامة الأبرز حتى اليوم، ويعود شق الطريق إلى فترة الحرب العالمية الثانية، حين كلف المهندس، ها. بروست، بوضع مخطط تنظيمي للمدينة بفتح طريق سيارات تحتية من دون أن يلحق الضرر بالقناة. وجرى في عام 1988 تنظيف وتقوية القسم الكائن فوق شارع أتاتورك من قبل البلدية. وكان آخر ترميم وتحسين للقناة، بين عامي 1990 و1993، وتولت تنفيذه شركتا "دوغان كوبان" و"أكينجي".

ثمة خلط برأي الباحثين التاريخيين، حول تصميم وبناء قناة بوزدوغان إذ ينسبها بعضهم للمعماري الأشهر بالدولة العثمانية، سنان (1490- 1588) وإن كانت مبنية، قبل ولادته بنحو 15 قرناً كما يؤكد لـ"العربي الجديد" الدليل السياحي والمؤرخ التركي سردار دونميز. يضيف أنّ المعماري سنان استأنس بقناة بوزدوغان وبنى مجرى ماغلوفا المائي المرفوع على قناطر، فوق نهر علي بيه، لنقل المياه إلى إسطنبول، بين عامي 1554 و1562.


تعتبر القناة من أعظم الإنجازات البيزنطية (العربي الجديد )

ويشير دونميز إلى أنّ فكرة نقل المياه قديماً إلى قصور وحدائق القسطنطينية "فكرة جبارة" فقد كانت المياه، وفق المراجع، تأتي من الأنهار والبحر وتجمع بخزانات مرتفعة، لتصل إلى المدينة كمصدر وحيد للمياه، لكن بسبب تراجع منسوب المياه بات مصدر مياه القناة من الأنهار ووديان الغابات شرقي إسطنبول، والمعروفة اليوم باسم "غابات بلغراد" وهي مسافة تزيد عن 30 كيلومتراً، تتخللها مجارٍ على مستوى الأرض أو مجارٍ مرتفعة كما المتبقية حتى اليوم بمنطقة الفاتح.

ويختم الدليل السياحي التركي، أنّ القناة المرتفعة ما زالت من أعظم إنجازات البيزنطيين ومعالم إسطنبول الحالية، وهي تعكس مدى قدرتهم - وربما قدرة الرومان- على استخدام الهندسة الهيدروليكية. وعن هذا الموضوع يقول: "بعض المراجع تشير إلى أنها بنيت خلال حكم فالنس الروماني، ومنه تستمد أحد أسمائها. ولوصول المياه إلى مدينة إسطنبول المشهورة بتلالها، حكايات كثيرة يتناقلها الأتراك، ربما أهمها، تقسيم المياه وقت شح الأمطار، ومن ذلك جاءت تسمية ساحة تقسيم التي كانت قديماً منطقة لتوزيع المياه على الأحياء".