نازحون سوريون يُستغلّون في الشمال

19 فبراير 2020
رحلات النزوح المستمرة (رامي السيد/ فرانس برس)
+ الخط -

نزوح
السوريّين نحو مناطق أكثر أماناً لا يعني بالضرورة أنّ حياتهم باتت أفضل حالاً؛ إذ يتعرض كثيرون للاستغلال المادي في ظل صعوبة حصولهم على مأوى. لكن يبدو أنّ هناك بعض المبادرات لإيجاد حلول

توجّه نازحون من مناطق ريف إدلب إلى منطقة درع الفرات شمال حلب، في ظلّ استمرار سوء الأوضاع الإنسانية في المخيمات قرب الحدود السورية-التركية شمال غربي إدلب، هي التي تغص بالنازحين، فضلاً عن وجود عائلات مهجرة ونازحة من مناطق سورية أخرى تقيم في المنطقة.

وعلى الرغم من الظروف المأساوية التي يعيشها النازحون وأهالي المناطق، إلا أن هناك حالات استغلال للنازحين قد تكون فردية. محمد أيمن نزح من مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، ووصل إلى بلدة كللي بعد رحلة نزوح شاقة بدأها عام 2015، بعدما كان قد غادر مدينته نحو مدينة الرقة ثم إلى محطات أخرى وصولاً إلى بلدة كللي شمال إدلب. يقول لـ "العربي الجديد": "أقيم في بلدة كللي منذ ثلاث سنوات تقريباً. كنت أتدبّر أموري وأمور عائلتي كما أن حياتي اليومية تسير على غرار بقية الناس هنا. لكن فوجئت قبل أيام بزيادة بدل إيجار البيت. بداية، ظننت أنه سيطلب مبلغاً بسيطاً ورمزياً، كوني أقيم في المنزل منذ سنوات. لكنه قال إن بدل إيجار البيت أصبح مائة دولار، بعدما كان 30 ألف ليرة سورية (نحو 58 دولاراً)، ولن يقبل حتى ما يعادل الزيادة بالعملة السورية. حدث ذلك ليلاً وأجبرت على مغادرة المنزل في الساعة نفسها".




يضيف أيمن: "لدى وصولي إلى مدينة الباب، وجدت منزلاً طلب صاحبه مبلغ 30 ألف ليرة سورية خلال ثلاثة أشهر كبدل إيجار، فاستأجرته. وفي اليوم التالي، أجبرت على المغادرة لأن الرجل حصل على مبلغ أكبر من الذي دفعته. وجدتُ منزلاً ولا أعلم إن كان سيطردني إذا ما وجد زبوناً يدفع له المزيد".

وكثيراً ما يُستغل النازحون في مناطق ريفَي إدلب الشمالي والشمالي الغربي القريبة من الحدود السورية-التركية، والتي لا تزال في مأمن نوعاً ما عن القصف، باعتبار أن الكثير من النازحين وقعوا بين مفارقة البقاء في العراء أو استئجار منزل، ليرغموا على البحث عن منزل أو مأوى مهما كان. بعض العائلات لجأت حتى إلى أماكن تربية المواشي والطيور لاستئجارها من أصحابها، لتكون مأوى لهم بدلاً من البقاء في العراء، ما قد يهدد حياتهم وحياة أطفالهم.

ودفعت المخاوف عامر السيد إلى النزوح من مدينة إدلب إلى مدينة الباب شمال حلب. ويقول لـ "العربي الجديد": "طبيعة عملي تجبرني على التنقل، والقصف أصبح يطاول مدينة إدلب وبشكل مكثف في الآونة الأخيرة. لم أجد خياراً سوى في مدينة الباب، كون أقاربي يقيمون هناك". يضيف: "بالنسبة لمن يبالغون بطلب بدلات إيجار من النازحين ويستغلونهم، ما تبقى من إدلب اليوم يمكن للنظام قصفه في أي وقت. كما أن طائرات روسيا تلقي قنابلها الفراغية أيضاً عليه. قد يصبح صاحب البيت الذي يستغل النازحين نازحاً. لذلك، نطلب منهم مراعاة أوضاع من فرّ من الموت والقذائف ولا يحمل سوى ملابسه وملابس أطفاله".

إلى ذلك، يقول عضو مجلس الإدارة في منظمة أبرار وائل الحلبي لـ "العربي الجديد": "عملنا في وقت سابق على إنشاء مخيم يبعد عن مدينة إدلب نحو 20 كيلومتراً. لكنْ للأسف، النازحون الذين كانوا يقيمون في المخيم نزحوا بسبب تقدم النظام. وخلال أيام، سنبدأ مشروعاً لبناء مخيم للنازحين في مدينة الراعي في منطقة درع الفرات، التي تبعد عن الحدود السورية التركية كيلومترات قليلة، وهذا المخيم سيخصص للنازحين الجدد من ريفي حلب وإدلب، وسيستقبل المخيم 200 عائلة، 100 في المرحلة الأولى، و100 في المرحلة الثانية".

يضيف الحلبي: "كانت المنظمة بدأت مشروع إنشاء مخيم في منطقة أعزاز مكوّن من مائتي غرفة وعشرين كتلة صحية ومجمع أنشطة ومسجد ومدرسة ابتدائية. ويتم الآن العمل على إنهاء الإجراءات القانونية المتعلقة بأرض موقع المخيم والبحث عن موقع آخر إضافي في مناطق وقف إطلاق النار، نظراً للحاجة الشديدة لها وكثافة النزوح. وندرس من الناحيتَين الفنية والمالية إمكانية توسيع الغرفة لتصبح شقة صغيرة مكونة من غرفتين وحمام ومطبخ في إطار مساحة 18،5 متراً مربعاً، وتأمين الاحتياجات الصحية للمسكن ليصبح أكثر إنسانية للنازحين الأكثر ضعفاً من اليتامى والأرامل والعجزة، وبكلفة مالية لا تتجاوز 900 دولار للمسكن الواحد. والعمل مستمر بوتيرة متسارعة لإنهاء الدراسات والمباشرة بالتنفيذ الفوري. نواجه صعوبات لناحية تأمين أرض مناسبة ومستوفية للشروط القانونية والإجرائية، ويفترض الانطلاق بالمشروع قبل نهاية الشهر الجاري، وسيكون التنفيذ سريعاً بمعدل عشرة مساكن أو غرف كل ستة أيام.




ويختم الحلبي قائلاً: "نذكر أن إحدى أولويات احتياجات الشعب السوري في الشمال اليوم هي تأمين مأوى يؤمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وهو أحد أهم أهداف استراتيجيتنا للعام الحالي، إضافة إلى الاهتمام بالتعليم للمتسربين بسبب النزوح والأعمال العسكرية العدائية بحق أهلنا. وسنبذل ما نستطيع ونضع كل إمكانياتنا ونحشد لتحقيق هذه الأهداف.
المساهمون