تدويل قضايا الرعاة

16 يناير 2020
في أبيي (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
تعتبر الأنظمة الرعوية أنظمة مقاومة للجفاف، تطورت عبر قرون عدة، بعدما كيَّف الناس حياتهم على البيئة القاسية التي وجدوا أنفسهم فيها. وبينما تهيمن الزراعة على الأراضي المرتفعة الأكثر رطوبة في مناطق عديدة من وسط وشرق أفريقيا، نجد أنّ الرعي هو نظام الإنتاج الرئيس في الأراضي الجافة. ففي هذه المناطق ظلّ الرعاة يستخدمون الموارد الطبيعية استخداماً مستداماً، إذ تتمثل العناصر الرئيسة لذلك النوع من النظام الإنتاجي ـ وفقاً للمعهد الدولي لإعادة بناء الريف ـ في الإدارة الظرفية للمراعي، وحركة القطعان، حيث الاستفادة القصوى من الموارد الطبيعية من ماء وكلأ، وحيث علاقة هذه الموارد مع المزارعين مبنية على تبادل المنافع، والتواثق على التعايش السلمي. وفي الغالب، لا يدعون ما يحدث بينهم من احتكاكات يتطور إلى صراعات مسلحة، إلاّ في الآونة الأخيرة عندما تدخلت السياسة لتفسد كلّ شيء.

تأثر الرعاة بعدد من الممارسات التي أضعفت قدراتهم ومسؤولياتهم حيال إدارة المراعي. ومن ذلك تحول مناطق الرعي إلى مسارح للحروب الأهلية والنزاعات الحدودية التي حرمت الرعاة من مساحات شاسعة، كما انتشرت الأسلحة المتقدمة، ما قاد إلى انعدام الأمن. يضاف إلى ذلك غزو الأغراب واستئثارهم بأفضل المناطق لإقامة المشاريع الزراعية الضخمة، واقتطاع مساحات أخرى لشركات التنقيب عن البترول والمعادن النفيسة.

أبيي، منطقة تماس بين دولتي السودان وجنوب السودان، ظلت بوتقة تمازج وتفاعل ثقافي لمئات السنين بين قبائل دينكا نقوك، ذوي الأصول الأفريقية، والمسيرية العرب، بالرغم من مرارات التاريخ التي شهدها السودان، كما يورد الدكتور فرنسيس دينق في كتابه التوثيقي "رجل يدعى دينق مجوك ـ سيرة زعيم ومجدد"، ذاكراً أنّ الرجل كان حافظاً للتوازن ما بين الجنوب والشمال. يعيد السلام الذي كانت تنعم به المنطقة الحدودية الصعبة إلى علاقات الودّ والثقة بين الطرفين، وإدراكهم الفطري للمصير المشترك. المسيرية يمكثون ـ كما يورد الباحث البخيت النعيم ـ تسعة أشهر من العام في بحر العرب وأبيي، عبر الحدود الحالية للدولتين، من دون أن تحدث نزاعات كبيرة، لكنّ المتابع لمسألة أبيي، الآن، بعد تدخل السياسة، يجد أنّها تطورت إلى أزمة بعد تدويلها حدّ التداول بها في محكمة لاهاي (2009).




كان أمر أبيي قد تعقّد بعد انفصال الجنوب (يوليو/تموز 2011) لتصبح قُنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أيّ لحظة، بعدما كانت قضية تعايش وأزمة تنمية واستغلال لموارد المنطقة واستقرارها لخدمة سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين مواطن على الحدود بين الشمال والجنوب. فهل ستظل السياسة بؤرة مفاسد لكلّ ما هو طبيعي، أم أنّ في الأفق بوادر حلول؟

(متخصص في شؤون البيئة)
دلالات
المساهمون