الصحة هاجس الفنزويليين على الحدود الكولومبية

04 اغسطس 2019
تلبي عيادة المنظمة احتياجات المهاجرين (أطباء بلا حدود)
+ الخط -

ازدادت أعداد الهاربين من فنزويلا، حتى باتوا يشكلون أزمة إنسانية، لا سيما على الحدود مع كولومبيا. تعرض "العربي الجديد" تحقيقاً بالتعاون مع منظمة "أطباء بلا حدود" حول القضية.

يواجه المهاجرون الفنزويليون عوائق عديدة في سبيل الحصول على الخدمات الصحية في مناطق نورتي دي سانتاندير وأوروكا ولا غواغيرا. وفي حين يتمتع الأفراد نظرياً بالحقّ في الحصول على اللقاحات وخدمات الولادة الآمنة والرعاية في حالات الطوارئ، فالاحتياجات الطبيّة لهذه المجموعة كبيرة جداً، ولا يتمكّن النظام الكولومبي من تلبيتها.

في الأيام الثلاثة الأخيرة لهما في بلدهما، لم تتناول بيليس كوردوبا وزوجها أيّ غذاء عدا المانغو. عندها أدركا أنّ الوقت قد حان ليفرّا من فنزويلا. تحملا أشهراً عدة نقص الأغذية التي قننوا تناولها بصرامة كي يحظى أطفالهما الثلاثة بكمية شحيحة من الطعام كلّ يوم، وقرّرا أخيراً أنّ مغادرة البلد أمر ضروري لتبقى عائلتهما على قيد الحياة. تشرح بيليس: "اعتاد زوجي أن يكسب أجراً جيداً من عمله في البناء، وعشنا حياة مريحة نسبياً. لكنّ الوضع تدهور شيئاً فشيئاً حتى لم يعد بحوزتنا ما يكفي من المال سوى لشراء السردين ودقيق الذرة. بعد ذلك، لم يعد بوسعنا حتى أن نشتري هذه المأكولات، وعاد زوجي عندئذٍ محمّلاً بحقيبة مليئة بالمانغو. عندما انتهت كمية المانغو التي أحضرها، فهمنا أنّه ما عاد في إمكاننا التعامل مع الوضع أكثر وتحمّله".

سافر زوج بيليس أولاً لمقابلة أشقائه الذين هاجروا إلى البلدة الحدودية الكولومبية تيبو في منطقة نورتي دي سانتاندير، وبعد سبعة أشهر وصلت هي رفقة ابنها البالغ من العمر خمسة أعوام. واحتاجا إلى أشهر إضافية لإحضار طفليهما الآخرَين البالغَين من العمر سبعة وتسعة أعوام. واليوم، تعيش العائلة بأكملها في مستوطنة ديفينو نينيو غير الرسمية، وهي عبارة عن مجموعة من المنازل ذات الأرضيات الخشبية والجدران المصنوعة من مادة البولي إيثيلين والسقوف المصنوعة من الزنك، حيث ينتهي المطاف بالمهاجرين الفنزويليين الذي يعجزون عن دفع الإيجارات. تقول بيليس: "الحياة هنا ليست سهلة أبداً، لكن على الأقلّ يتوفّر الطعام للأطفال". الظروف المعيشية الصعبة وخطر عدم الحصول على الطعام اثنان فقط من تحديات عديدة تواجهها بيليس وعائلتها، فقد أصيب مؤخراً طفلها الأصغر سناً بالتهاب في معدته. تشرح بيليس: "بما أنّ الأمر لم يبدُ خطيراً، قررت أن أصطحبه إلى عيادة منظمة أطباء بلا حدود لأنّ العلاج لا يُقدّم للفنزويليين هنا في المستشفيات إلا في حالات الطوارئ".



في المناطق الحدودية لا غواغيرا ونورتي دي سانتاندير وأوروكا، لا يحصل المهاجرون الفنزويليون على الخدمات الطبيّة التي تديرها الدولة، باستثناء خدمات الحالات الطارئة واللقاحات وخدمات الولادة. ونتيجةً لهذا، لجأ في الفترة بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 ومايو/ أيّار 2019، أكثر من 12.000 فنزويلي إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسيّة وخدمات الصحة النفسيّة التي تقدّمها منظّمة "أطباء بلا حدود". ومن الأمثلة على المرضى، ماريلين دياز التي قدمت من فنزويلا إلى تيبو منذ عام وأنجبت طفلتها الثانية منذ بضعة أيّام في مستشفى محلي. وبعد خروجها من المستشفى، أدركت أنّ عليها الذهاب إلى عيادة "أطباء بلا حدود" للحصول على الأدوية والاستشارة ما بعد الولادة.




تُعتبر النساء والأطفال في مجتمع المهاجرين الفئات الأكثر تأثراً على وجه الخصوص نتيجة عدم الحصول على الخدمات الصحية. وفي الفترة المذكورة أعلاه، وصلت نسبة المرضى ما دون سنّ الخامسة الذين زاروا عيادات "أطباء بلا حدود" إلى 40 في المائة، وأجرت الطواقم الطبيّة نحو 2500 استشارةٍ ما قبل الولادة وأكثر من 4600 استشارة تنظيم أسرة. أمّا أكثر المشاكل الصحية لدى الفنزويليين مما تعالجه المنظمة فهي حساسية الجلد والعدوى التنفسيّة والتهابات الجهاز التنفسي والمسالك البولية والأمراض النسائية. أمّا أكثر المشاكل شيوعاً بين الأطفال ما دون سن الرابعة عشرة فهي الإسهال والطفيليات المعوية. بالإضافة إلى ذلك، تلقى نحو 1000 شخصٍ استشارات الصحة النفسيّة. أمّا الأعراض الرئيسيّة الأكثر بروزاً فهي القلق والاكتئاب الناجمان عن ظروف الهجرة والصعوبات في العثور على عمل وتشتت الأسر.



تقول رئيسة بعثة "أطباء بلا حدود" في كولومبيا، أيلين ريمشاو: "عدم حصول الفنزويليين في كولومبيا على الخدمات الصحية الأساسية والمتخصصة يشكّل أزمة صحية تحتاج إلى مزيد من الاهتمام من المجتمع الدولي". وتضيف أنّ "الاحتياجات الطبيّة لهؤلاء السكان أثقلت كاهل النظام الصحي الكولومبي الذي لا يمتلك في الوقت الحالي الموارد أو الموظّفين اللازمين لتوفير المساعدة. بسبب هذه القيود، لم يتمكّن الكثير من المهاجرين المرضى من تلقي الرعاية في الوقت المناسب في غرف الطوارئ في المستشفيات بالرغم من تمتّعهم بالحقّ في ذلك بموجب القانون". تتابع ريمشاو، "نحن ندعو إلى زيادة مشاركة المجتمع الدولي لتسهيل المساعدة الإنسانية وتحسين حصول الفنزويليين على الرعاية الصحية من خلال الدعم المباشر للمستشفيات. هي أزمة تحتاج إلى معالجة عاجلة".

وفقاً للحسابات الرسمية، لا يحتاج فقط الـ350 ألف فنزويلي الذين يعيشون في هذه المناطق الحدودية الثلاث إلى الخدمات الطبيّة، فيُضاف إليهم آلاف الاشخاص الذين يعبرون الحدود يومياً بحثاً عن الرعاية الطبيّة والأدوية، وفي حالات متعدّدة من أجل الأمراض التي لا تُعتبر بمثابة حالات طارئة لكنّها تستلزم علاجاً صارماً يعجزون عن الحصول عليه داخل فنزويلا.



أمّا ياميليث غوميز، فسافرت أكثر من أربع ساعات للوصول إلى كولومبيا من سيبوروكو في ولاية تاشيرا (فنزويلا) بحثاً عن علاج لفرط نشاط الغدة الدرقية التي جرى تشخيص إصابتها به في يناير/ كانون الثاني الماضي. تقول في هذا الصدد: "لا تتوفر في فنزويلا الأدوية التي أحتاج إليها وتبلغ هنا تكلفتها أكثر من قدرتي المالية في الوقت الحالي. اضطررت حتّى للطلب من أحدهم أن يقلّني لأنّني لا أملك المال كي أشتري تذكرة حافلة". ياميليث كانت معلمة لكنّها اضطرت إلى التوقف عن العمل بسبب مشاكل في صوتها بالإضافة إلى أعراض أخرى مثل الصداع وعدم انتظام دقات القلب والتقيؤ والإسهال. تقول: "ستوفّر منظّمة أطباء بلا حدود المساعدة في ما يخص الأدوية وآمل أن أحصل عليها كي أحظى بحياة طبيعية مجدداً".