كُسرت قاعدة "الدم" في قطاع غزة، الذي كان مربوطاً بالأحداث والحروب والموت، ليصبح رمزاً للفرح والتآزر مع حلول أيام عيد الأضحى.
وعلّقت الأضاحي في شوارع وأزقة المدينة المحاصرة منذ 11 عاماً على التوالي، رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية؛ عند مداخل البيوت والشوارع، وتجمع حولها الأطفال "الفضوليون" قبل الكبار، حاملين ألعابهم، يشاهدون الجزار باهتمام، وهو يذبح الأضحية ويسلخها ويقطعها.
وعند مدخل بنايتهم في منطقة الزيتون جنوبي مدينة غزة، يقف الطفل صهيب النجار وشقيقه محمد يراقبان أضحيتهم. ويقول إنه يفضل ارتداء ملابس العيد بعد انتهاء تحضير الأضحية، لأنه يساعد والده في وزن اللحم، وتغليفه وتوزيعه.
ويقول أبو صهيب النجار (45 عاماً) لـ "العربي الجديد"، إنه "اشترك مع عدد من أشقائه وأبناء عمومته في الأضحية، وقرروا ذبحها عند مدخل بنايتهم لعدة أسباب، أولها صناعة أجواء فرحة العيد، وتسهيل عملية التقطيع والتوزيع"، مضيفاً "نستطيع العمل بأريحية داخل البيت، كي نجهز أنفسنا مساءً لزيارة الأرحام".
ويختلف جدول العيد في قطاع غزة من عائلة لأخرى، إذ يفضل بعضهم ذبح الأضاحي صباحاً، وزيارة الأرحام مساءً، في حين هناك من يفضل الذبح في اليوم الأول والزيارة في اليوم الثاني، ويفضل آخرون الذبح بعد اليوم الأول، ما يجعل المشهد متواصلا، وكذلك رائحة اللحم.
ملامح الفرح كست شوارع القطاع الذي تزين بالأراجيح وألعاب وملابس الأطفال زاهية الألوان، ليعكس رغبة أهالي القطاع المحاصر بالفرح واجتياز الألم، على الرغم من تفاقم الأزمات، وتدهور الحالة الاقتصادية، وتقليص الرواتب وانقطاع الكهرباء وإغلاق المعابر، وغيرها من المشاكل التي أثقلت كاهل المواطن الفلسطيني في غزة.
مداخل المتنزهات والحدائق والمفترقات العامة، اكتظت بالأراجيح الدوارة وسيارات الأطفال الملونة، وبجانبها باعة العصائر والذرة و"شعر البنات" والمسليات، وتجمهر حولها أولاد يحملون الألعاب، وبنات يحملن الحقائب المعبأة بالحلويات ونقود "العيدية".
وتقول الطفلة سمارة عبيد (11 عاماً)، والتي ارتدت فستاناً أزرق أنها تحب اللعب على الأرجوحة الدوارة، إلى جانب شراء المسليات، مضيفة: "بعد أن أحصل على عيديتي من بابا وأعمامي أتوجه برفقة صديقاتي للعب، وشراء الحلويات، والمسليات (...) أحب العيد كثيراً".
ويزور أهالي قطاع غزة، خلال أيام العيد الأماكن العامة والمتنزهات البسيطة رخيصة الثمن، كذلك يفضل بعضهم قضاء الوقت في الفنادق ومدن الألعاب غالية الثمن، كل حسب وضعه الاقتصادي، كما يزيد الإقبال على المنتجعات السياحية والاستراحات وحدائق الحيوان.
ويحاول الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر استراق لحظات الفرح عبر حفلات شواء لحوم الأضاحي في الحدائق العامة ليلاً، أو على شاطئ البحر، حيث تتجمع الأسر، لتعلو الضحكات، وتفوح رائحة الشواء.
ورغم المآسي والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، إلا أنّ سكان غزة يقبلون على الأعياد الدينية بقلب مفتوح. ويحاولون صناعة الفرح لأطفالهم رغم كل شيء، والعيد هو الفرصة لكي ينسى الأطفال مشاهد الموت والقصف العالقة في أذهانهم.