يبدو أنّ آمال عشرات آلاف المهجّرين من حيّ التضامن الدمشقي، بالعودة، بعدما سيطرت القوات النظامية السورية على الجزء الذي كان تحت سطوة تنظيم "داعش"، راحت تتلاشى. يأتي ذلك بالتزامن مع تقرير لمحافظة دمشق يفيد بأنّ نحو 10 في المائة من المنازل فقط قابلة للسكن، وما تبقى سوف يُعاد تنظيمه على أساس المرسوم التشريعي رقم 10 سيئ السمعة.
وليد جابر، من نازحي حيّ التضامن، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "التقرير الصادر عن محافظة دمشق يقول إنّ 650 منزلاً فقط في القسم الجنوبي تُعَدّ قابلة للسكن، وقد جرى ختمها بالشمع الأحمر في انتظار مراجعة المالكين مع أوراق الملكية". يضيف أنّ "ثمّة قراراً اتّخذ بهدم نحو ستة آلاف منزل وإعادة تنظيمها على أساس المرسوم التشريعي رقم 10. والفساد واضح هنا، إذ إنّ الكشف بطريقة دقيقة وشاملة على كل المنازل لم يحصل، وذلك بهدف إعطاء بعض المتنفذين ورقة ضغط لشراء المنازل هناك بأسعار بخسة". يضيف جابر: "نحن اليوم نتعرض إلى عملية سلب لمنازلنا وبالقانون الذي يتحكم به النظام السوري، وذلك بعد سنوات من التشرد والنزوح والمعاناة من الفقر على أمل أن نعود إلى منازلنا، على الرغم من سوء الخدمات التي لطالما كانت تقدّمها لنا الدولة السورية. وهي كانت ملاذاً لفقراء سورية".
من جهته، يقول حميد فارس، وهو نازح كذلك من حيّ التضامن، لـ"العربي الجديد"، إنّه "عندما سُمح لنا بالدخول إلى التضامن كان منزلي وكأنّني تركته أمس، باستثناء الزجاج المحطم. يومها أخذت بعض الأشياء الخفيفة، إذ إنّ تحصينات ترابية كثيرة كانت تعوّق السير، في حين أنّهم كانوا يمنعون دخول السيارات. وبعد يومَين، عدت إلى المنزل لأجده خالياً من كلّ شيء، لا أثاث ولا أبواب ولا نوافذ. حتى أطقم الحمام والمطبخ وأسلاك الكهرباء انتُزعت من الجدران". يضيف فارس: "لكنّ على الرغم من كلّ ذلك، أنا متمسك بالعودة إليه. ما زال السقف والجدران بحالة جيدة، وما زال قادراً على حفظ كرامتنا أكثر من أيّ مكان آخر. لكنّني صدمت عندما لم يكن منزلي من بين المنازل المصنّفة على أنّها قابلة للسكن، ولا أدري إن كان ثمّة ملحق، لكنّ الحواجز تمنع إدخال مواد البناء".
وأعرب أهالي حيّ التضامن بصورة عامة عن رفضهم لتقرير المحافظة، مطالبين بإعادة تقييم واقع المنازل من قبل لجنة جديدة، وبالسماح للأهالي بإعادة ترميم منازلهم بعد إزالة الركام وإعادة الخدمات، الأمر الذي يسمح بعودة الحياة إلى المنطقة. وتفيد مصادر محلية بأنّ تقرير اللجنة الصادر عن المحافظة تسبب في حرمان أكثر من 25 ألف أسرة من منازلها، معربة عن اعتقادها بأنّه "من المرجح أن يكون ثمّة توجه إلى إعادة صياغة التركيبة الديموغرافية، خصوصاً أنّ أهلها كانوا حاضنين للتظاهرات المناهضة للنظام".
وكان رئيس اللجنة الخاصة بحيّ التضامن فيصل سرور قد قال في تصريح صحافي، إنّ محافظ دمشق بشر الصبان، قد صدّق على تقرير اللجنة الذي انتهى إلى "وجود 690 منزلاً صالحاً للسكن يمكن للأهالي العودة إليها"، ريثما يُصار إلى تنظيم كل منطقة التضامن وفق المرسوم التشريعي رقم 10 خلال مدة قد تستغرق ما بين أربعة وخمسة أعوام. وقد أضاف التقرير أنّ كل المنازل التي كان يسيطر عليها "الإرهابيون" هي منازل مخالفة وغير قابلة للسكن أو الترميم حالياً. وقد تركّزت المنازل المصنّفة "صالحة للسكن" في تجمّع التركمان، شمالي الحيّ، وهي كانت منطقة تماس تسيطر عليها القوات النظامية، إلا أنّ أهلها نزحوا منها من جرّاء العمليات العسكرية. يُذكر أنّها تجمّعت في نحو 200 مبنى.
ويشير عدد من أهالي حيّ التضامن إلى أنّ "آلاف الأشخاص تقدّموا باعتراضات على تقرير اللجنة، وثمّة محامون كثيرون أعربوا عن استعدادهم لرفع دعاوى قضائية على المحافظة، ومنهم من سجّل وكالات رسمية بهذا الخصوص. يأتي ذلك في حين ينفّذ النظام عملية التقييم والهدم على أساس القانون رقم 3 لعام 2018، والمتضمن إزالة الأنقاض وتحديد المباني المتضررة غير الصالحة للسكن.
تجدر الإشارة إلى أنّ المحافظة قسمت حيّ التضامن إلى ثلاث مناطق "أ" و"ب" و"ج"، وتقرير اللجنة يخصّ المنطقة "أ"، في حين لم يتضح مستقبل المنطقتين المتبقيتين. ومن غير المتوقع أن يكون أفضل من وضع المنطقة "أ". ويخشى أهالي التضامن من إعادة تنظيم حيهم على أساس المرسوم التشريعي رقم 10، ما يعني أنّ ملكياتهم سوف تتحوّل إلى بضعة أسهم على الشيوع، فإمّا يبيعونها بحسب السعر الرائج، والأسعار حالياً بخسة جداً، وإمّا يتجمّع الأهالي في شركة مساهمة برأس مال مؤلّف من 11 ألف سهم، فتُخصَّص لهم حينها قطعة أرض منظمة لتشييد بناء يجمعهم، إنّما على نفقتهم الخاصة. وذلك في وقت يعاني سكان تلك المنطقة العشوائية من السوريين المعدومين، اقتصادياً، ويعجزون عن تأمين قوتهم اليومي. فكيف يتمكنون من تمويل برج سكني؟ وإذا لم يفعلوا، سوف تقوم البلدية ببيع الأسهم بمزاد علني لمن لم يبع أسهمه أو لم ينضمّ إلى شركة مساهمة.