اختار عشرات آلاف الروس من مختلف الخلفيات المهنية والاجتماعية، جزيرة قبرص، لا كوجهة للسياحة فحسب، إنّما أيضا للعيش والعمل فيها. وتحتضن ليماسول أكبر جالية روسية في قبرص تقدر بأكثر من 20 ألف شخص، وفق أرقام الموقع الروسي "رحلة إلى قبرص".
منذ انتقالها إلى قبرص للعمل مصورة فوتوغرافية عام 2015، تعرفت الشابة الروسية ألكسندرا (28 عاماً) على مزايا الإقامة في جزيرة وسط دفء مياه البحر الأبيض المتوسط بعيداً عن صقيع روسيا، من دون أن يلغي ذلك حنينها إلى الوطن. تقول ألكسندرا لـ"العربي الجديد" من مدينة ليماسول القبرصية: "أحب قبرص كثيراً، وأهم مزاياها المناخ الدافئ ونمط الحياة المتأني وتنوع المعالم الطبيعية واعتماد اللغة الإنكليزية في الحياة اليومية. أحب قبرص كونها بلداً صغيراً من دون أن أنتظر منها أن تعوضني عن موسكو أو أيّ مدينة روسية كبرى أخرى". وحول ما تفتقده وتحنّ إليه في روسيا، تضيف: "أفتقد الحدائق الروسية الكبيرة والتزلج والجولات لساعات طويلة فيها. كما أفتقد وسائل النقل المتطورة مثل المترو والحافلات وسيارات الأجرة بأسعار مناسبة، بدلاً من قيادة السيارة الشخصية طوال الوقت. أفتقد الرياضة ومختلف الأنشطة وحتى دور العرض الحديثة".
ألكسندرا شأنها في ذلك شأن عشرات آلاف الروس من مختلف الخلفيات المهنية والاجتماعية، ممن اختاروا قبرص، لا كوجهة للسياحة فحسب، إنّما أيضا للعيش والعمل فيها. وتحتضن ليماسول أكبر جالية روسية في قبرص تقدر بأكثر من 20 ألف شخص، وفق أرقام الموقع الروسي "رحلة إلى قبرص". وبحسب الموقع نفسه، تعمل غالبية النساء الآتيات من روسيا وأوكرانيا وغيرهما من بلدان رابطة الدول المستقلة في مجال الخدمات مثل السياحة والطبخ ورعاية المسنين والأطفال، بالإضافة إلى عدد من المتزوجات من مواطني قبرص، بينما يعمل الرجال سائقين أو في قطاع البناء أو مرشدين سياحيين في الفنادق التي تعتمد على حركة السياحة الآتية من روسيا. شريحة أخرى من الروس هم من اشتروا عقارات في قبرص، فهؤلاء في وضع مميز يعملون بشركات خاصة أو فروع الشركات والمصارف الروسية أو يزاولون أعمالاً خاصة مثل مكاتب التسويق العقاري ووكالات السياحة والمطاعم.
كذلك، تمكن عدد من الأثرياء الروس من الحصول على الجنسية القبرصية مقابل استثماراتهم، ما يمكّنهم من التنقل والإقامة بحرّية بين جميع بلدان الاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه قبرص في إطار توسعته في مايو/ أيار 2004. ولعلّ أشهر "مواطنة قبرصية" في روسيا هي أسطورة موسيقى البوب، آلا بوغاتشوفا، التي حصلت هي وأفراد عائلتها على الجنسية القبرصية في عام 2018 مقابل شراء شقة فاخرة في ليماسول تزيد قيمتها على مليوني يورو. وتطبق قبرص منذ عام 2011 برنامج منح الجنسية لمن يستثمر أكثر من مليوني يورو في عقارات البلاد، له ولأبنائه. لكنّ السلطات القبرصية قررت مؤخراً سحب "جوازات السفر الذهبية" من 26 أجنبياً، بمن فيهم تسعة مستثمرين روس وذويهم، بحجة أنّ هناك مخالفات تخللت عملية تجنيسهم. وثمة مؤشرات على أنّ الروس يتوجهون لشراء عقارات قبرص ليس من أجل الحصول على جنسيتها فقط، لكن بهدف تملّك منزل في الخارج والاستجمام.
يقول خبير التسويق العقاري بشركة "سيباركو" العقارية الروسية، أندرياس إراكليوس، في حديث إلى وكالة "إنترفاكس": "ازداد عدد الزبائن الذين يشترون العقارات ليس من أجل جواز السفر. كان هناك أمثالهم من قبل، لكنّهم كانوا قليلين جداً بين الروس. الآن، انضم الروس إلى المشترين من هذه الفئة. هؤلاء الأشخاص لا يحتاجون إلى جواز سفر أوروبي، إنّما يريدون منزلاً في الخارج. يحمل بعضهم جنسية أوروبية بالفعل، فيختارون وجهة للاستجمام". مع ذلك، لا تخلو حياة المستثمرين الأجانب في قبرص من عقبات تحدث بين الحين والآخر، إذ لم تعد البلاد ملاذاً آمناً مثلما كانت عليه سابقاً. وفي عام 2013، مثلاً، حين ارتفعت القيمة الإجمالية لودائع الروس بالمصارف القبرصية إلى نحو 20 مليار دولار أميركي، فرضت قبرص ضريبة على الودائع المصرفية، وذلك ضمن شروط المقرضين الدوليين ومقابل دعم مالي من الاتحاد الأوروبي.
ومع تشديد الأحكام المصرفية في قبرص، لم تعد الشركات الروسية تعتمد على هذا البلد كمنصة للاستثمار في روسيا. ومن مؤشرات ذلك، تزايد معدلات عودة الاستثمارات من روسيا إلى قبرص، وهي فعلياً رؤوس أموال الشركات الروسية المسجلة في قبرص، والتي بلغ خروجها في العام الماضي أعلى مستوى لها منذ 12 عاماً. وبحسب أرقام المصرف المركزي الروسي، فإنّ خروج رؤوس أموال الشركات الروسية من قبرص بلغ نحو 14 مليار دولار في عام 2018.