تجريم التمييز في موريتانيا... محاولة جديدة لمحاربة آثار العبودية

18 ابريل 2017
متى ينتهي التمييز تجاهها؟ (جورج غوبيه/ فرانس برس)
+ الخط -

تمضي السلطات الموريتانية في محاولاتها لردم الهوّة ما بين العرب والمسترقين، وبالتالي العمل على فرض المساواة أمام القانون عبر تشريعات من شأنها حماية المستهدَفين من التمييز العنصري بأشكاله المختلفة.

في بلد يعاني من التراتبية الاجتماعية واتساع الفجوة بين العرب والمسترقين سابقاً من زنوج أفارقة يُطلَق عليهم اسم "لحراطين"، تحاول الحكومة سنّ تشريعات جديدة لمعالجة هذه المعضلة التي يعاني منها نحو 30 في المائة من مجموع الموريتانيين. هؤلاء استُعبد آباؤهم وأجدادهم قبل عقود، وتوارثتهم العائلات العربية كما تتوارث المال والعقارات.

على الرغم من تحرير لحراطين من خلال إصدار أوّل قانون يجرّم الاسترقاق في البلاد في عام 1981، إلا أنّ لحراطين ما زالوا يعانون من التمييز والعنصرية، إذ تتزايد الفوارق الاجتماعية بين شريحتهم وبين العرب، وهو الأمر الذي يتسبب في عزلتهم وتهميشهم واستمرار استغلالهم في أعمال السخرة. يُذكر أنّ الخبراء كانوا يتوقعون تلاشي هذه الفوارق تدريجياً.

وسعياً منها إلى إذابة هذه الفوارق والتقليل من حدّة الانقسام العرقي، أقرّت الحكومة الموريتانية أخيراً قانون تجريم التمييز، وهو الأوّل من نوعه في البلاد، يهدف إلى تقنين مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون من دون تمييز يطاول الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. ويعاقب القانون كل دعاية مناطقية ذات طابع عنصري أو عرقي. ويعزز القانون الجديد المنظومة الموريتانية لمكافحة العنصرية والطائفية والفئوية التي تهدد اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية، ويقدّم إطاراً قانونياً لتفعيل خطة العمل الحكومية في مكافحة التمييز والكراهية والتعصب.




ويتألف هذا القانون الجديد من 26 مادة تعالج وتجرّم كل ما يمكن إدخاله في خانة التمييز العنصري. ويتميّز بأنّ عقوبته لا تسقط بالتقادم، حتى في حالة إفلات مرتكب "الجريمة" من يد العدالة أو خروجه من البلاد. ومن خلاله، تسعى الحكومة إلى إيجاد مواد قانونية تحفظ المواطنين عموماً وكذلك الأجانب من التمييز العنصري بكلّ أشكاله. وقد أشارت إلى أنّها سوف تعلن قريباً عن يوم وطني ضدّ التمييز يُحتفل به سنوياً.

تجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة الموريتانية كانت قد اتخذت جملة من القرارات لمحاربة آثار الاسترقاق من خلال تجريم هذه الظاهرة وتصنيفها جريمة ضدّ الإنسانية، عبر إصدار قانون عام 2015 يجرّم الممارسات الاسترقاقية ويعاقب عليها ويقضي بإنشاء محاكم متخصصة في قضايا الاسترقاق. كذلك بدأت الحكومة بتنفيذ خطة عمل وطنية تهدف إلى تجسيد توصيات خارطة الطريق لمحاربة الأشكال المعاصرة للعبودية، من خلال تنظيم قوافل توعية جابت كلّ المدن بالإضافة إلى تدخلات لصالح المتضررين من مخلفات الاسترقاق عبر برامج تؤمّن الدخل.

لكنّ الفجوة المستمرة على مستوى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي بين العرب والمسترقين سابقاً، يقلق الحقوقيين ويحبط آمال السلطات في رفع مستوى أبناء "العبيد" وفي الدفاع عن نفسها في قضية مكافحة العبودية التي تؤثر سلباً على سمعة البلاد وترتيبها في التقارير الدولية التي تتناول حقوق الإنسان ومكافحة الاتّجار بالبشر.

ويرى الباحثون أنّ هذه الفجوة هي انعكاس للتمييز الذي يعانيه المسترقون سابقاً في سوق العمل، ويحذّرون من تداعياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. يُذكر أنّ أبناء "العبيد" يتقاضون رواتب زهيدة بسبب اختلاف التحصيل العلمي بينهم وبين الشرائح الاجتماعية الأخرى، إذ ما زال ردم الهوّة في التعليم تحدياً حقيقياً يواجه السلطات والحقوقيين. وبعد نجاح الجهود المبذولة لإدخال أبناء المسترقين إلى المدارس، يُلحظ قضاء كثيرين منهم سنوات قليلة على مقاعد الدراسة، لأنّ تعليمهم يُعدّ أقلّ فائدة اقتصادية على آبائهم الذين يفضلون غالباً أن يلتحق أبناؤهم بسوق العمل. وهو ما عزّز فكرة أن أبناء "العبيد" خُلقوا للعمل الحرفي واليدوي أكثر من الأعمال الأخرى.



في هذا السياق، يرى الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد البوه أنّ "العقبات الاجتماعية والممارسات التمييزية تعرقل تحقيق المساواة التي ما زالت حلماً بعيد المنال، أقلّه في المستقبل القريب". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "مظاهر التمييز ضد المسترقين سابقاً تتفاقم في المجتمع الموريتاني، نتيجة ثقل التقاليد المحلية وعدم تنفيذ القوانين". يضيف أنّ "ثمّة مهناً يُحرم منها أبناء العبيد السابقين بسبب التقاليد الاجتماعية، مثل القضاء والإفتاء ومراكز القرار الرئيسية. ويأتي ظهور أفراد منهم في هذه المراكز نادراً". يضيف ولد البوه أنّ "القوانين موجودة وكافية، لكنّ تطبيقها هو مربط الفرس إذ لم تنجح إلى حدّ الساعة في التخفيف من تأثير عقود من الرق واستغلال شريحة لحراطين الذين يعانون من الفقر والجهل ومن إهمال شبه متعمّد من قبل السلطات ويعملون كخدم في المنازل وكرعاة للإبل في مناطق مختلفة من البلاد، مواجهين ظروفاً حياتية صعبة".

ويشدد ولد البوه على أنّ "القانون الجديد مهم لمحاربة التمييز ونشر الثقافة الحقوقية ومحاربة الإقصاء الاجتماعي في بنية المجتمع القبلي الذي يرفض التخلي عن ممارسات وتقاليد كثيرة متعلقة بالتراتبية الاجتماعية"، داعياً إلى "توعية شريحة لحراطين حول حقوقهم وتطبيق القوانين لا سيما تلك المرتبطة بالتمييز والإقصاء والتهميش". ويشير إلى أنّ "نجاح محاربة آثار العبودية والتمييز العنصري مرتبط بفتح آفاق جديدة لفائدة أبناء العبيد السابقين في كل المجالات، وضمان تمييز إيجابي لكلّ من عانى من الاسترقاق، ومحاربة واقعية لكلّ أشكال الاستغلال وسوء المعاملة والعنف في صفوفهم".

وكانت الحكومة قد عمدت خلال السنتين الأخيرتين إلى حملات للتوعية حول خطورة الممارسات الاسترقاقية، من خلال تخصيص خطب الجمعة في المساجد لموضوع محاربة العبودية وإنشاء مدارس خاصة بأبناء العبيد السابقين الذين لم يستفيدوا من التعليم. كذلك أصدر عدد من كبار فقهاء وعلماء البلاد فتاوى دينية تحرّم العبودية وتلغي العمل بصكوك ملكية العبيد من الناحية الشرعية". ويبقى أنّ الحقوقيين الناشطين في هذا المجال ما زالوا يطالبون بمزيد من الجهود، لعل أبرزها إنشاء جهاز تعقب للعبودية وكشف حالات الاسترقاق الجديدة التي لا تكشفها سوى المنظمات الحقوقية على الرغم من إمكانياتها المحدودة.

دلالات