تعدّ نسبة حوادث السير في فرنسا مرتفعة، ما يؤدي إلى سقوط ضحايا عدا عن الخسائر الاقتصادية. ويطالب أهالي الضحايا بقوانين أكثر صرامة.
تكثر حوادث السير في فرنسا، ما يكلّف البلاد غالياً، سواء لناحية سقوط ضحايا، أو تكاليف العلاج، ما يؤثر على ميزانية وزارة الصحة. وتحاول الحكومة الفرنسية جاهدة التصدي لهذه المشكلة من خلال تشديد القوانين على الفرنسيين ووضع رادارات أكثر تطوراً لرصد السرعة أو استخدام الهواتف أثناء القيادة أو عدم احترام قانون السير. وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2019، أعلن رئيس الحكومة إدوار فيليب أن عام 2018 شهد عدد ضحايا أقلّ من سابقيه. خلاله، قتل 3259 شخصاً من جراء حوادث السير، أي أقل من عام 2017 بـ189 شخصاً. كما أن عدد الجرحى الذين جرى إسعافهم خلال 24 ساعة، انخفض بنسبة 25 في المائة، أي أقل من عام 2017 بـ6868 جريحاً.
وأعلن رئيس الحكومة عن الحفاظ على أرواح 116 شخصاً بسبب خفض السرعة في بعض الطرقات من 90 كيلومتراً في الساعة إلى 80 كيلومتراً، وهو إجراء عارضته غالبية الفرنسيين. واضطرت الحكومة بعد حراك "السترات الصفراء" إلى التراجع عنه، تاركة تقدير تطبيقه أو العودة إلى 90 كيلومتراً إلى السلطات المحلية. وعلى الرغم من اعتبار هذا الإنجاز "تاريخياً"، إلا أنه وصفه بـ"الهشّ، لأنّنا شهدنا خلال السنوات الأربع الأخيرة ارتفاعاً في عدد القتلى، بسبب تراجع المجهود الجماعي. وخلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، لاحظنا عمليات تخريب للرادارات، لتزداد السرعة المتوسطة. ومع زيادة السرعة، سيزداد عدد الحوادث".
ولا يبدو أن أرقام هذا العام تدعو إلى التفاؤل. في شهر أغسطس/ آب الماضي، قتل 290 شخصاً (أكثر من العام الماضي بنسبة 4.5 في المائة). وإذا ما قورن قتلى الأشهر الثمانية من هذا العام مع قتلى عام 2018، يلاحظ سقوط 35 ضحية إضافية هذا العام. وفي ما يتعلق بالجرحى، فإن عدد جرحى شهر أغسطس/ آب كان 5652 شخصاً، أي أكثر من جرحى أغسطس من العام الماضي بـ135 شخصاً. وعلى الرغم من حملات التوعية التي تقوم بها الوزارات المعنية، ما زالت نسبة حوادث السير مرتفعة وتؤدي إلى مآس كبيرة وخسائر باهظة للدولة. ويقود بعض الشباب سياراتهم على الرغم من تناولهم الكحول أو المخدرات، ما يؤدي إلى حدوث مأساة.
ولا يخفي الكثير من الضحايا الجرحى والعائلات غضبهم بسبب بعض الأحكام القضائية التي يرونها متسامحة، ولا تؤدي إلى الردع، إذ سرعان ما يعود السائق الذي تسبب في حوادث إلى القيادة. من هنا، قررت نادية كارمل، وهي ضحية حادث سير أدى إلى مقتل ابنتيها، نشر قصتها في كتاب هو عبارة عن شهادة حول مأساتها، حمل عنوان: "كانتا تحبّان بعضهما بعضاً بقوة".
في الثالث من شهر إبريل/ نيسان عام 2018، صدمت سيارة مسرعة سيارتها، ما أدى إلى مقتل ابنتيها (2 و3 سنوات)، في وقت نجت وابنها الرضيع بأعجوبة، على الرغم من أنه ما زال يعاني من مضاعفات في جهازه العصبي. وتسعى نادية كارمل، من خلال كتابها، إلى توجيه رسالة للمواطنين تتعلق بخطورة التسامح مع هؤلاء المذنبين، وهي مصممة على أن يمنع القضاء الرجل المسؤول عن مأساتها من القيادة. وأشارت إلى أن له سوابق في حوادث السير، كما أنه "مُدمن على السرعة". وبحسب الشرطة الفرنسية، سُحِبَت رخصة القيادة من الرجل مرتين بسبب السرعة. وعلى الرغم من صعوبة تحديد سرعة السيارة أثناء خروجها عن الطريق، اعتبر أربعة خبراء أن السرعة كانت ما بين 100 كيلومتر و145 كيلومتراً في الساعة. إلا أن آخر معاينة قضائية أشارت إلى سرعة 113 كيلومتراً في الساعة حين فقد السيطرة على سيارته، علماً أنه كان يجدر به عدم تجاوز سرعة 80 كيلومتراً في الساعة.
وفي انتظار المحاكمة، سمح للسائق بقيادة سيارات لا تحتاج رخصة قيادة، على ألا تتجاوز السرعة 70 كيلومتراً في الساعة. وتشير نادية إلى أنه شوهد وهو يقود سيارته بسرعة 70 كيلومتراً في طرقات لا يجوز فيها تجاوز سرعة 50 كيلومتراً. واستطاعت تصوير مشهد تظهر فيه أن هذا الشخص تجاوزها وهي تقود بسرعة 70 كيلومتراً، وتقدّمت بشكوى من دون أن تتلقى أي رد، ما يعني في نظر محامي نادية، أنّ "الرجل الذي تسبب في مقتل شخصين لم يتعلّم من المأساة". وانعقدت المحاكمة يوم 20 سبتمبر/ أيلول، واعتذر السائق للمرأة عن المأساة التي تسبّب بها، علماً أنه "واثق من أنني لن أنال الصفح من عائلة الضحيتين"، وهو ما أكدته نادية كارمل. وطالبت نادية بفرض عقوبات صارمة وتعويض قدره مليون يورو عن كل ضحية، و500 ألف يورو بسبب ما أصاب الرضيع. ويطالب المدعي العام بفرض عقوبة سجن مدتها أربع سنوات، سنتان منها مع وقف التنفيذ. ويشار إلى أن الحكم سيصدر في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وبغض النظر عن الحكم، فإن الأمّ الفرنسية التي فقدت ابنتَيها تطالب الحكومة بمعاقبة المتسببين في هذه الحوادث والمخالفات. لهذا السبب، خصّت رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون برسالة في كتابها، تطالبه بتشديد العقوبات في حال وقوع مخالفات، إذ إنه "لا يجب أن تكون حياة طفل أقل قيمة من قيمة السيارة التي تقتلُهُ"، كما تكتب.