متقاعدون في السودان يرفضون الاستسلام

22 مارس 2018
هل ما زالا يعملان؟ (Getty)
+ الخط -
عرفت مريم رابح الوظيفة للمرة الأولى في عام 1961، وقد التحقت بهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية، وتدرجت فيها وتولّت رئاسة أحد الأقسام. بعد 23 عاماً من العمل، طردت بعد خصخصة الهيئة. ولأن العمل صار جزءاً أساسياً من حياتها، التحقت بوظيفة أخرى في شركة اتصالات. وبعد ثلاث سنوات، وتحديداً في عام 1997، أحيلت إلى التقاعد. مرة أخرى رفضت الاستسلام، والتحقت بالاتحاد العام لمعاشي الخدمة المدنية، وعملت في قسم التأمين الصحي.

تقول رابح لـ "العربي الجديد" إنها سعيدة جداً بعملها لسببين، الأول هو خدمة المتقاعدين، والثاني نجاحها في التغلب على التحديات التي يواجهها المتقاعدون في السودان والعالم.
إضافة إلى رابح، هناك مئات آلاف المتقاعدين في السودان. ويُقدّر عدد الذين كانوا يعملون في الخدمة المدنية الحكومية فقط بنحو 197 ألف متقاعد، 45 في المائة منهم يعيشون في ولاية الخرطوم، في وقت تعيش النسبة الباقية في الولايات السودانية الأخرى، عدا عن المتقاعدين من الجيش والشرطة وشركات القطاع الخاص. ويقول المتقاعد أحمد محمود إنّ أصعب اللحظات في حياة الموظف هي إبلاغه بقرار إحالته إلى التقاعد، مشيراً إلى أن ردة الفعل تختلف من شخص إلى آخر. بعضهم يتقبل الأمر برضى تام، فيما يشعر آخرون بالغضب واليأس والخوف من المستقبل.

وعن تجربته الشخصية، يقول محمود لـ "العربي الجديد" إن قرار إحالته إلى التقاعد صدر في عام 2002، وهو في الستين من عمره، إلا أنه ما زال يعمل حتى اليوم. يضيف أن العمر لن يكون يوماً حاجزاً أمام العطاء الإنساني، مشيراً إلى أنه شارك في العديد من المشاريع البديلة، مثل افتتاح مكتبة لبيع الكتب والصحف والمجلات. ولأن تجربته الأولى لم تكن ناجحة، افتتح محلاً لبيع الغاز الطبيعي. وأخيراً استقرّ في منصب المسؤول الإعلامي في إحدى المؤسسات النقابية.



يوضح محمود أن أكبر مشكلة تواجه المتقاعدين اليوم، تتمثّل في ضعف الراتب الشهري الذي يتقاضونه من الدولة، ويتراوح ما بين 650 و800 جنيه (نحو 50 دولارا). ويشير إلى أنّ الراتب لا يكفي العائلة في ظل الغلاء. كما أن المتقاعدين يرغبون في العيش في ظروف مشابهة لما قبل التقاعد، سواء لناحية تأمين مسكن جيد وملبس ومأكل ومشرب. في المقابل، ينوّه بالخدمات التي يحصل المتقاعدون عليها في مجال التأمين الصحي (تغطّي الدولة نحو 75 في المائة من فاتورة العلاج). ويدعو إلى الاستفادة من خبرات المتقاعدين، كمستشارين فنيين في مختلف المجالات، أو التعاقد معهم، على غرار أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين. ويبين أن الدولة والجهات الأخرى لا تلجأ إليهم إلا عند الضرورة القصوى.

أما صالح علي صالح، فيشير بدوره إلى ضعف الراتب الذي يتقاضاه المتقاعد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن المبلغ ظلّ يتآكل على مدى السنوات الماضية، بسبب الضائقة المعيشية التي يمر بها السودان. يضيف أن الدولة غائبة تماماً عن مشاكل المتقاعدين. ويُقارن صالح بينه وبين زميل له أحيل إلى التقاعد في العام نفسه. يوضح أنه سافر إلى الولايات المتحدة وحصل على عمل يتناسب وإمكانياته في مجال الترجمة، وتأمين صحي شبه مجاني يناسب سنّه، إضافة إلى خدمات أخرى، كالإيواء في دور خاصة، وقد رضي بها.

ويرى أن نظرة المجتمع السوداني للمتقاعد متقدمة جداً عن نظرة الدولة. وكثيراً ما يستعان بهم في مجالات إدارة الأندية الرياضية والثقافية، فضلاً عن الاستشارات المجانية التي يقدمها المتقاعد لأفراد المجتمع نتيجة خبرته الحياتية. كما أن المجتمع يقدم مساعدات يومية للمتقاعد من إسهامات مادية ومعنوية، كما أنه يحظى بمكانة خاصة.



إلا أنّ الأمين العام لاتحاد معاشي الخدمة المدنية تاج السر شكر الله، يقول لـ "العربي الجديد" إن "المجتمع ينظر دوماً إلى المتقاعد كشخص منتهي الصلاحية"، علماً أن الأداء والقدرات الذهنية غير مرتبطة بعمر معين. ويشير إلى أن الاتحاد يعتمد استراتيجية متكاملة لتغيير تلك الصورة النمطية، فضلاً عن خطط أخرى للاستفادة من المتقاعدين في الدولة أو المجتمع، بعد تصنيف المتقاعدين ضمن فئات مختلفة. ويشيد بما تقدمه الحكومة السودانية للمتقاعدين، خصوصاً التأمين الصحي، داعياً إلى ضرورة تعديل الرواتب. ويلفت إلى أن الزيادة وحدها غير كافية في ظل استمرار الغلاء، مقترحاً البحث عن بدائل.

يضيف أنّ الاتحاد نجح في إقناع الحكومة بضرورة دفع ثلث مستحقات المتقاعد مباشرة بعد التقاعد، أو ما يعرف بالاستبدال. فخلال الفترة الأولى، يحتاج المتقاعد إلى إعادة ترتيب حياته، ويعد المال عنصراً مساعداً.

وعن الآثار النفسية للتقاعد، يقول إنّهم توصّلوا إلى اتفاق مع اتحاد العمال لوضع خطة متكاملة لتهيئة الأشخاص قبل مرحلة التقاعد، والتي كثيراً ما يتجاهلها العمال والموظفون. وحين يحالون إلى التقاعد، يُصابون بصدمة نفسية. يوضح أن الاتحاد يعمل على إنشاء نوادٍ مجتمعية وثقافية يجتمع فيها المتقاعدون، خصوصاً أن الوظيفة كثيراً ما تسرق الموظف عن محيطه الاجتماعي، وبالتالي يصعب عليه نسج علاقات اجتماعية جديدة، ويعاني من الوحدة.