"فقهاء" المغرب مشعوذون

13 مارس 2015
يبيع العطارون بعض احتياجات العرافين من أعشاب وجلود وسواها(Getty)
+ الخط -
المدن الكبرى في المغرب، خصوصاً السياحية، تشتهر بكثير من الخصائص. لكنّها تشترك جميعاً في كونها مركزاً للسحر والشعوذة، الذي يتحول من كونه ظاهرة ضاربة في القدم، ليشكل اليوم قطاعاً أساسياً فيها.

وفي مدن مثل أغادير ومراكش والدار البيضاء وغيرها، تتخذ العرافات المسميات "الشوافات" أماكن خاصة بهن. ومثلهن يفعل كثير من الدجالين ذوي الطرق المختلفة في الشعوذة، ليشكل كثير منهم شخصية مركزية يطلق عليها الناس لقب "فقيه". كما باتت أماكن تواجدهم ذات رواج كبير لدى الناس، وتحظى بالكثير من الزوار.

تتعدد أسباب الناس في الاتجاه إلى العرافين في المغرب، ومنها ما يواجههم من مشاكل حياتية واجتماعية كالبطالة والمرض والتهميش والعلاقات الزوجية السيئة.

من جهتها، تقول السعدية (50 عاماً): "منذ الصغر أذهب مع والدتي إلى الفقيه، للتداوي وفك السحر. فالطبيب لم يستطع فك لغز مرضي ولا يعترف بذلك". وتضيف السعدية التي تعاني مشاكل نفسية تؤدي بها إلى الانهيار من دون سابق إنذار، أنّ هذه الحالة "لا يستطيع أن يخرجني منها إلا فقيه الحي".

يكتسب الفقهاء في المغرب سمعة عالمية مقارنة بنظرائهم في دول عربية أخرى. ويضعون إعلاناتهم في الجرائد الورقية والإلكترونية. ويشتهرون بـ "قدرتهم الخارقة" على فك السحر وجلب الحظ وحل ما استعصى من مشاكل مختلفة. ويزعم الفقيه قدرته على علاج أمراض استعصى علاجها على الطب الحديث. وبذلك، يلجأ العديد من المصابين بالشلل أو الأمراض النفسية المستعصية إليهم. كما يلجأ كلّ من يرغب بفك السحر أو جلب الرزق أو الزواج، إلى العرافين الذين نجحوا بنسبة عالية في تسويق أعمالهم التي باتت تدر عليهم أموالاً طائلة.

هذه السمعة تدفع بالكثير من الأجانب إلى زيارة المغرب خصيصاً لزيارة "فقيه" أو "شوافة". وعن ذلك، تروي هند (37 عاماً) لـ "العربي الجديد" قصتها مع إحدى السائحات الأجنبيات. تقول: "في مراكش التقيت بآنسة ثلاثينية كانت ضمن وفد دولي يشرف على تنظيم دورات تدريبية في مجال حقوق الإنسان. وخلال جولة سياحية في المدينة كانت تسأل بعض المغربيات اللواتي حضرن الدورة عن أشهر العرافات بالمدينة. كانت تعاني من حالة نفسية صعبة، وذكرت لنا مشاكل أسرية تتخبط فيها. واستمرت في الاستفسار عن بعض الطرق لفك السحر الأسود. فأشارت لها إحدى المشاركات بزيارة السوق القديم، حيث تنتشر مجموعة من العطارين الذين يبيعون أعشاباً وجلود ورؤوس حيوانات مخصصة لفك السحر".

قصة أخرى روتها لـ "العربي الجديد" نجاة الموظفة بمطار الرباط سلا الدولي عن سيدة ثرية تعيش في أوروبا، وكانت تمضي إجازة الصيف في المغرب. تقول نجاة: "العام الماضي أوقفت في المطار سيدة أربعينية مغربية لا تجيد العربية، وكانت في طريقها إلى باريس. وفتش موظفو الأمن حقائبها ليجدوا تمائم وأحرازاً تصدر رائحة كريهة، وهي عبارة عن أعمال سحر لدفع العين والحسد". وتضيف: "الإحراج الذي وقعت فيه السيدة كان كبيراً، وبشكل خاص عندما انكشف أمرها أمام زوجها الذي بدا مصدوماً لهول ما رأى وتركها وحدها وتوجه إلى الطائرة، بعد أن قال لها باستغراب: تزورين فقيهاً لم يسبق له الدخول إلى مدرسة يا مثقفة".

من جهتها، تقول أماني السعودية التي اتخذ زوجها فتاة مغربية زوجة ثانية، لـ "العربي الجديد": "عاملتي المنزلية المغربية هي سبب شقائي ودافعي في رحلة بحثي عن الخلاص. فقد لعبت بعقل زوجي حين أتت للعمل لدينا. وكانت تعد أطباقا شهية، ما جعل زوجي يهتم لأمرها أكثر من سابقاتها". وتضيف أماني باقتناع واضح: "أعمال السحر التي كانت تجلبها من المغرب خلال زياراتها لأهلها مكّنتها من جعل زوجي يتزوجها. ولهذا السبب طلبت من زوجي أن نزور المغرب. فأنا أريد أن أفك السحر الذي تناوله من دون أن يشعر".

ويقصد العديد من السياح الأجانب العرافات المنتشرات بشكل كبير في ساحة الفنا الشهيرة في مراكش بالفلكلور وحلقات الذكر الصوفية. وتدعي الشوافات هناك معرفة أمور غيبية وذلك بإخبار جليساتهن وجلسائهن بما حصل لهن أو سيحصل، من خلال قراءة الكف أو الورق.
تقول الشوافة حادة لـ "العربي الجديد: "أنا في الساحة منذ أكثر من 20 عاماً. ورثت هذا العمل عن أمي التي ورثته بدورها عن جدتي". وتضيف: "يزورني سياح من كلّ الجنسيات أخبرهم بكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة. وأغلب زبائني من النساء وكل واحدة منهن لديها مشكلة خاصة، غير أنّ أغلب المشاكل تدور حول العنوسة أو غياب الزوج عن المنزل".

لكنّ حادة تشكو من "التضييق الذي يمارسه علينا رجال الأمن رغم أننا لا نجبر أحداً على شيء". وتضيف: "نحن نساعد الناس على تغيير حياتهم للأفضل. ليتهمنا البعض بالنصب والاحتيال رغم أنّ أسعارنا مناسبة جداً".

وبالرغم من كلامها، فإنّ بعض الشوافات يستدرجن الزبائن، خصوصاً الأجانب، إلى مراكز أخرى بعيدة عن الساحة، من أجل فك السحر وممارسة طقوس الشعوذة لقاء مبالغ خيالية، بحسب أحد العاملين في المجال السياحي.
دلالات