أطفال السودان يرمون القبّعات

06 مايو 2015
تختار أمهات رياض الأطفال بحسب حفلات التخرج (Getty)
+ الخط -

"لا تقولي إنكِ تعبتِ. يجب أن تعملي كثيراً وتدخري المال اللازم لحفل تخرّج العام المقبل". تقول محاسن ابنة الأعوام الخمسة هذه الكلمات قبل أن تجهش بالبكاء. هكذا أخبرتها والدتها.. أو تحرم من المشاركة في حفل التخرج. فحال والدتها المادي قد يحول دون تحقيق حلمها هذا.

سابقاً، كانت حفلات التخرّج تقتصر على الجامعات. تغيّرت الأمور اليوم وانتقلت هذه الحفلات إلى رياض الأطفال. وحين يُكملُ الطفل عامه الثاني، تبدأ إدارات الروضة، سواء كانت خاصة أو حكومية، بالتحضير لحفلة لتخريج الأطفال. تستأجر أندية أو صالات فخمة وتُلزم الأسر بدفع مبالغ باهظة تقدّر بـ 500 جنيه (نحو 87 دولاراً)، علماً أن هذا الرقم قد يكون أكثر من راتب والد أو والدة الطفل. هكذا يُحرم بعضهم من المشاركة في الاحتفال، وقد يواجهون بعض العراقيل لدى تسجيل أطفالهم في المدرسة التي تطلب أحياناً إبراز شهادة التخرج.

في السياق، تقول علياء التي تخرجت ابنتها أخيراً إن "كلفة المدارس وتوفير لقمة العيش وغيرها من الأمور الحياتية اليومية تثقل كاهلنا. ونجد أنفسنا مضطرين لدفع رسوم حفلة التخرج، على الرغم من حاجتنا الماسة للمال". تضيف أنها لا تريد حرمان أطفالها من شيء.

وتحوّلت حفلات التخرج أخيراً إلى مناسبة يلتقي فيها الأهل والأصدقاء. وعادة ما يبدأون التخطيط لها باكراً. وترتدي الأمهات أفضل ما لديهن. أيضاً، يحرصن على جلب أفخر أنواع الطعام وخصوصاً أنهم يدعون أقاربهن لحضور الحفل. في المقابل، بالكاد تستطيع بعض الأسر تأمين رسوم هذه الحفلة، فتجلب معها قليلاً من الحلوى والفوشار، ما يؤثر على نفسية الأطفال.

قبلَ عامين، أصدرت وزارة التربية والتعليم قراراً بمنع تخريج الأطفال في الأندية والصالات الكبيرة، وحددت رسوم هذه الحفلة بـ 150 جنيهاً (26 دولاراً). في المقابل، لم تلتزم رياض الأطفال بالقرارات، وعمدت كل روضة إلى فرض الرسوم التي تراها مناسبة.

بدورها، تقول لمياء لـ"العربي الجديد" إنها لا تؤيّد تنظيم حفلة لتخريج الأطفال. برأيها، "هذه مجرد مظاهر لا تقدم أي إضافة للأطفال". من هنا، قررت ألا تسمح لطفلتها بالمشاركة "قبل أن تطلب ابنتي من إحدى صديقاتها أن تقنعني بالسماح لها بالمشاركة". تضيف أنها لم تستطع بعد ذلك حرمانها من أمر ترغب به.

في السياق، تؤكد مديرة إدارة التعليم قبل المدرسي في وزارة التربية والتعليم إلهام عثمان "وجود ضوابط تُصدرها الإدارة سنوياً في ما يتصل برياض الأطفال، بما فيها احتفالات التخرج". لكنها شددت في الوقت نفسه على صعوبة السيطرة على الرياض الخاصة، محملة الأسر المسؤولية. ورداً على سؤال حول عدم التزام رياض الأطفال بقرارات الوزارة المتعلقة بحفلات التخرج، تشير إلى أننا "لن نتساهل هذا العام، وسنوقف عمل أي روضة تخالف قراراتنا".

من جهتها، تقول مديرة إحدى الروضات الخاصة حنان النجومي لـ "العربي الجديد": "صحيح أن الوزارة أصدرت قراراً بالحد من حفلات التخرّج في الأندية والصالات الكبرى، وحصرها بالروضات نفسها أو الميادين المجاورة، إلا أنها عادت وأصدرت قراراً جديداً سمحت فيه بإقامة احتفالات في الأندية التابعة للحكومة لتستفيد الأخيرة منها".

برأيها، "لا ينبغي صرف كثير من المال على هذه الحفلات. ليست هذه الرسالة التي يجب إيصالها للأطفال". توضح أن "الرسوم التي نحصل عليها من الأهل ندفعها بدل إيجار الصالات والموسيقى والطعام وغيرها". إلا أنها تحمّل العائلات مسؤولية تنامي هذه الظاهرة، لافتة إلى أن "بعض الأمهات تخترن الرياض بحسب حفلات التخرج التي تعدّها، من دون الاكتراث كثيراً لدورها التربوي. من جهة أخرى، تستغل رياض الأطفال هذه الحفلات للدعاية".

في السياق، ترى الباحثة الاجتماعية أسماء محمد جمعة أن هذه الظاهرة تعد نتيجة طبيعية في ظل التغيرات التي أصابت المجتمع السوداني، واكتراث بعضهم للمظاهر وإن كانوا غير قادرين على مجاراتها. تلفت أيضاً إلى الظروف التي فرضت على المجتمع في ظل غياب التوجيه من قبل الدولة.

وتؤكد أن "ما تشهده رياض الأطفال حالياً يعد أمراً خطيراً للغاية وله انعكاسات سلبية وخصوصاً أن الفوارق الطبقية قد تنمّي الحقد والكراهية لدى الطفل. ففي هذه المرحلة، تكون ذاكرته قوية جداً".
دلالات