أطفال من دون شوكولاتة

17 اغسطس 2017
يحب الشوكولاتة (غويسيب كاكاس/ فرانس برس)
+ الخط -
يسأل الأطفال أهلهم الحصول على السكاكر معظم الوقت، وقد يستغلّها بعض الأهل في استقطابهم أحياناً لما لطعمها من حلاوة. فكيف السبيل إلى دفع الأطفال للحد من استهلاكها؟

لم يتردّد الطفل في تذوّق البطاطس المقليّة، وكان ذلك كافياً. بعدها، لم يفكّر في تذوّق أي من المأكولات التي كانت موضوعة على الطاولة. وكأنّ حبّ البطاطس المقليّة يولد مع الأطفال. كذلك الشوكولاتة أو السكاكر أو الأطعمة ذات المذاق الحلو. يكفي أن يرى طفل الشوكولاتة، ليبدو أنّه عرف السرّ الموجود داخلها، وقد يبكي طالباً المزيد منها، أو ينتقل إلى ذلك العالم الجميل، كما يحدث مع نساء يذوّبن قطع الشوكولاتة في أفواههن في الإعلانات، ويغمضن عيونهن في سعادة مطلقة.

والسكاكر، على الأغلب، هي الوسيلة الأولى لاستقطاب الأطفال، على غرار المثل الإنكليزي: "الطريق إلى قلب الرجل هو معدته". كذلك، الطريق إلى قلوب الأطفال هي سكاكر وشوكولاتة وكل هذه "الأشياء الطيّبة".

يسأل الطفل: "هل يمكنني تناول شيء طيّب (لذيذ)"؟ من دون أن يساعده أحد، بدا قادراً على تصنيفها. وهو ليس وحيداً في هذا التصنيف. هذا ما يفعله معظم الأطفال. فقلّة منهم فقط لا يحبّون الشوكولاتة. "لا"، ترد عليه والدته. لكنّ عليها أن تقنعه. تخبره أنّه تناول الكثير منها اليوم، وأن السكر مضرّ، ومن الأفضل تناول مأكولات صحية، كالفاكهة أو الشوكولاتة الداكنة. يصمت لبعض الوقت، ليجرّب مرة أخرى. تحوّل السكر إلى نقاش يومي داخل العائلة. وعلى طفلها الوحيد أن يوازن بين وجبة السكر الخفيفة التي سيأكلها في المدرسة، وبين ما سيتناوله في البيت. وهذا صعبٌ لكليهما.

تقول الوالدة لمياء إنها تحرص على تأمين نظام غذائي متوازن لطفلها. لحسن حظّها أنّ طفلها يتناول الحبوب والفاكهة. لكن ما يزعجها أنّها تجد نفسها مضطرة إلى وضع قطعة من البسكويت أو الشوكولاتة في حقيبته المدرسيّة. "أفضّل هذا الضرر على أن ينظر إلى الأطفال الآخرين ويشتهي ما يأكلونه".

في البيت، يتناول طفلها الشوكولاتة الداكنة معظم الأحيان. وبين فترة وأخرى، تشتري له "ما يأكله الأطفال الآخرون، حتى لا يشعر أنه يعيش في كوكب آخر". ابنها اليوم في السابعة من عمره، ولم يجرّب المشروبات الغازية بعد. بالنسبة إليها "هذا إنجاز". تأمل أن تكون قادرة على الحدّ أكثر من تناول السكر، بكل أشكاله، وإن كان إصراره أحياناً سبباً لتقول نعم، رغم كل التحذيرات. ويحدث أنه قبل أن ينام، يتذكر أنّه لم يأكل سكرا اليوم. هكذا يصف كل أنواع الحلويات والشوكولاتة والسكاكر. حظّه سيئ اليوم، على عكس والدته التي تقول: "كلّ يوم من دون سكر هو انتصار".

لمياء من الأشخاص الذين يتابعون أحدث الدراسات في هذا المجال. وإن كانت ترفض حرمان الأطفال، تعتمد "التوازن" في الغذاء. لكن مع انتشار الأمراض السرطانية، باتت أكثر قلقاً.
في عام 2016، أوصت منظمة الصحة العالمية بفرض الضرائب على المشروبات السكرية لخفض استهلاكها والوقاية من البدانة، في مقابل دعم أسعار الفاكهة والخضار الطازجة للتشجيع على استهلاكها. كذلك، حذرت من احتمال وصول عدد الأطفال الذين يعانون من السمنة المفرطة، أو الوزن الزائد، إلى 70 مليون طفل بعد 10 أعوام، جلّهم في الدول النامية.

وتزداد الدراسات التي تحذّر من خطورة تناول السكر. إحدى الدراسات الصادرة مؤخراً، والتي أعدها الباحث الفرنسي جي فاجورازي وفريقه في معهد "غوستاف روسيه" التابع لجامعة باريس، أشارت إلى أن استخدام المحلّيات الصناعية بدلاً من السكر يزيد من خطورة التعرض للبدانة والسكري من النوع الثاني، إضافة إلى الإصابة بأمراض السرطان.

كما حذرت دراسة أميركية من وجود علاقة بين ارتفاع مؤشر نسبة السكر في الدم بشكل خاص وسرطان الرئة، ما يعني أن تناول الأغذية والمشروبات التي ترفع نسبة السكر، مثل الخبز الأبيض ورقائق الذرة، مرتبط بزيادة خطر الإصابة بسرطان الرئة.

وهناك المزيد، من دون أن يعي الكثير من الأهل خطورتها. تقول ندى، وهي أمّ لطفلين: "جميعنا أكلنا السكر في طفولتنا. كان غَزْل البنات جزءاً أساسياً في مشوار أيام الآحاد مع العائلة، وما زالت صحّتنا جيّدة". لا تشكّك ندى في الدراسات، بقدر ما تصرّ على عيش الحياة كما هي، من دون أن تكون هناك حاجة إلى المبالغة في حرمان الأطفال من السكريات. "الحلويات جزء من عادات وتقاليد الشعوب في الأعياد والمناسبات. ومن الصعب تغييرها، أقله بسرعة".

فتون، وهي أمّ لطفلين أيضاً، استطاعت فرض نمط صحي في البيت، من دون أن تحرمهما في الوقت نفسه من تناول الحلويات على غرار بقيّة الأطفال. "منذ التحقا في المدرسة، اعتادا تناول شطيرة مع اللوز والجوز والمشمش المجفف في بعض الأحيان. لم يحدث أن قالا لي يوماً أنهما يتضايقان من الأمر. في الوقت نفسه، أجلب لهما الشوكولاتة أو أعد الحلويات في البيت إذا ما طلبا. لكنني لم أجعل الأمر جزءاً من يومياتنا".

"يظنّ بعض الأهل أنهم يحقّقون السعادة لأولادهم، من خلال الإكثار من السكاكر"، يعلّق نديم، وهو أب لثلاثة أطفال. وهم سيفرحون بها، لكن الأطفال قادرون على استيعاب مدى خطورة السكر، مهما كانوا صغاراً. يستعين بالإنترنت والصور العلمية لاقناع أطفاله بضرورة التقليل من تناول السكر قدر الإمكان. هذا سهل، لكنّه يعجز عن إقناع والديه "أتركهما يفرحان".

المساهمون