خلّة الميّ... صمود فلسطيني في وجه الاستيطان والتهميش

18 اغسطس 2019
تشبّث بالأرض (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

ثمّة تجمّعات سكنية فلسطينية صغيرة ما زالت تمثّل اليوم نماذج للصمود في الوطن والأرض، رغم بطش الاحتلال من جهة وتهميش ذوي القربى من جهة ثانية

على بعد بضعة كيلومترات من مدينة يطا الواقعة جنوبي محافظة الخليل، في جنوب الضفة الغربية المحتلة، يقع التجمّع السكاني المعروف بـ"خلّة الميّ" الممتدّ على نحو 43 ألف دونم. والتجمّع الذي يشمل سبع خرب وقرى صغيرة، تحيط به 11 مستوطنة إسرائيلية تهدّد أهله وتنغّص عليهم حياتهم اليومية. وهؤلاء من جهتهم، يتّهمون الحكومة الفلسطينية بتهميشهم، فيما يؤكدون ثباتهم في أرضهم وصمودهم في مواجهة الاحتلال ومستوطنيه. ثمانية آلاف فلسطيني يسكنون الخرب والقرى السبع في تجمّع خلّة الميّ، وهي الديرات (الأكبر مساحة) وخلّة الميّ (تضمّ العدد الأكبر من السكان) وأمّ لصفة والرفاعية وأمّ الشقحان وسهل واد الما والبويب. وهؤلاء الأهالي عرضة لممارسات مختلفة من قبل الاحتلال ومستوطنيه تهدف إلى إجبارهم على النزوح من أراضيهم، علماً أنّهم يتلقّون كثيراً إخطارات بهدم منازلهم ويتمّ الاستيلاء على مصادر مياههم وهي عشرة ينابيع، أبرزها عين الرفاعية ونبع أبو شبان وعين أمّ ركبة الفوقا وعين أمّ ركبة التحتا.




ويشير رئيس المجلس القروي في خلّة الميّ منور الغفيان، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "نحو 35 في المائة من أراضي خرب وقرى خلّة الميّ تقع من ضمن المنطقة المصنّفة ج (سي) الخاضعة إلى السيطرة الإسرائيلية"، مضيفاً أنّ "الطريق الاستيطاني أو الشارع الالتفافي المعروف بخط 60، والذي يمتد حتى مدينة بئر السبع أقصى جنوب فلسطين المحتلة، يزيد من معاناة أهالي خلّة الميّ إذ إنّه يخترق التجمّع". ويتابع أنّه "بعد مصادرة الاحتلال 500 دونم من أراضي خلّة الميّ في خلال الأعوام الماضية، عمد أخيراً إلى وضع يده على 4800 دونم أخرى من التجمّع ومن بلدة بني نعيم المجاورة بهدف توسيع مستوطنة بني حيفر".

من جهته، يقول سليمان شحدة، وهو مزارع وراعي أغنام من خلّة الميّ، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطريق الاستيطاني خط 60 يحدّ من وصول أصحاب المواشي إلى المراعي. وأنا مثلاً، لا أرعى أغنامي ولا أرسل أبنائي معهم نظراً إلى خطورة الاقتراب من مستوطنة كرمئيل ومن سياج المستوطنات في المنطقة. ثمّة خشية من اعتداء المستوطنين علينا".

إلى جانب ممارسات الاحتلال ومستوطنيه، تعاني خرب وقرى خلّة الميّ سوء الخدمات العامة التي توفّرها الحكومة الفلسطينية وكذلك تهالك البنى التحتية. على سبيل المثال، من المفترض أن تُزوَّد بنحو ألفَي كوب من المياه أسبوعياً، غير أنّ ما يصلها هو 500 كوب فقط، ويأتي ذلك بالإضافة إلى تدهور حال الطرقات. ويقول الغفيان في هذا الإطار، إنّ "المياه تصل إلى خلّة الميّ يوماً واحداً في الأسبوع، الأمر الذي لا يكفي لسد الاحتياجات"، مشيراً إلى أنّ "تواصلاً تمّ مع وزارة الحكم المحلي، من دون أن يطرأ أيّ تحسّن على خدمات المياه". يضيف أنّ "شبكة الطرقات كذلك تعاني تهميشاً شديداً، وكذلك الحال بالنسبة إلى شبكة الكهرباء، إذ إنّ التيار الذي تزوَّد به الخرب والقرى ضعيف". ويتابع الغفيان أنّ "الجهات الفلسطينية المختصة لا تولي أهمية لصيانة حاويات النفايات في خلّة الميّ أو تجديدها على الرغم من سداد السكان رسوماً شهرية لمجلس الخدمات المشترك في المنطقة. يُذكر أنّ رفع النفايات يتمّ مرّتَين أسبوعياً". ويشير الغفيان إلى أنّ "الردّ الحكومي يأتي دائماً بجملة شهيرة تتكرر: جدولوا ديونكم نتيجة عدم سداد بدلات الخدمات التي تبلغ سبعة ملايين شيقل (نحو مليونَي دولار أميركي) ثم تعالوا نتحدث. لكنّ الأهالي يردّون: قدّموا لنا خدمة جيّدة فندفع لكم".

إصرار على التعليم رغم كلّ شيء (حازم بدر/ فرانس برس)












ويضطر أهالي خلّة الميّ إلى اقتناء مركبات "مشطوبة" (غير قانونية أو غير مرخّصة) نظراً إلى حال الطرقات. ويوضح خليل أبو فنار لـ"العربي الجديد"، أنّه "لو اشترينا مركبات قانونية جديدة فإنّها سوف تتعطّل بسبب شبكة الطرقات المتردية. كذلك، فإنّ قوات الاحتلال تقتحم المنطقة يومياً وتعتدي على السائقين وتصادر المركبات غير القانونية". ويلفت أبو فنار من جهة أخرى، إلى أنّه يحاول مع شبان آخرين إنشاء نادٍ رياضي في التجمّع.

في السياق، يؤكد المدير العام لوزارة الحكم المحلي في محافظة الخليل رشيد عوض لـ"العربي الجديد" أنّ "مناطق خلّة الميّ تقع في المناطق المصنّفة (ج) التي تسيطر عليها إسرائيل، الأمر الذي يعوّق تقديم الخدمات فيها، عدا عن مساحتها الشاسعة التي لا يجدي معها مشروع أو اثنَان فقط". يضيف عوض: "ثمّة مشروع بلجيكي لتحويل خلّة الميّ إلى بلدية بهدف تحسين الخدمات المُقدّمة للسكان. ونحن نقدّم الخدمات بحسب الإمكانات المتاحة، والجميع يعرف أنّ السلطة الفلسطينية تتعرّض إلى حصار دولي منذ عامَين وقد انخفض بفعل ذلك عدد المشاريع المقدّمة من الدول المانحة".

من جهة أخرى، ثمّة محاولات للتطوير، ومنها مشروع متنزّه ومدرّج ونبعة أبو شبان في قرية أمّ لصفة في خلّة الميّ. وهذا المشروع أطلقه مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت في 20 يوليو/ تموز المنصرم، بتمويل من مؤسسة "أكشن إيد" الدولية غير الحكومية. عزيزة ربعي شابة من خلّة الميّ، تعبّر عن سعادتها بالمشروع، فهو بالنسبة إليها "سوف يخفف من اكتئاب النساء في المنطقة، إذ إنّهنّ لا يجدنَ مكاناً للتنزّه هنا. لذا يلازمنَ البيوت، الأمر الذي يؤدّي إلى مضاعفة المشكلات في حياتهنّ".




يوضح المنسق الميداني في مركز دراسات التنمية في جامعة بيرزيت عرفات البرغوثي لـ"العربي الجديد" أنّ "ترميم النبعة ومحيطها يأتي بهدف دعم هذه المناطق المهمّشة والمهددة من قبل الاحتلال، وحماية نبعة المياه وأراضيها (تبلغ مساحتها نحو 35 دونماً) من المصادرة، بالإضافة إلى خلق عملية تنمية شاملة عبر دفع السكان إلى استصلاح الأراضي المحيطة بالنبعة واستغلالها من أجل الريّ". يضيف البرغوثي أنّ "تدفّق المياه يومياً في نبعة أبو شبان يُقدَّر بنحو 20 كوباً"، مشيراً إلى أنّ ذلك مفيد "في إطار التعاونيات الزراعية التي تتيح فرص عمل للسكان، خصوصاً الشبان الذين ترتفع بينهم نسب البطالة". ويتابع أنّ التعاونيات الزراعية تساعد في "توفير سوق إنتاجي فلسطيني يكون بديلاً ممّا تنتجه المستوطنات والاحتلال". ويؤكد البرغوثي أنّ من شأن المشروع أن "يخلق متنفساً ترفيهياً للسكان، ما يعني حماية الأرض من خلال وجود السكان فيها تأكيداً لمفهوم التنمية المقاومة".

تطوير ذاتي
رغم تهميش خلّة الميّ، يحاول أهلها تطوير أنفسهم بأنفسهم. ويقول الناشط جبر حميدات لـ"العربي الجديد" إنّ "نسبة التعليم بين الشباب ارتفعت في الأعوام الأخيرة. قبل 10 أعوام، كان خمسة فقط منهم يحملون شهادة الثانوية العامة، أمّا اليوم فقد بلغ العدد أربعين تقريباً، معظمهم من الإناث. كذلك، يصل عدد المدارس إلى تسعة".