تونس: المساواة في الميراث جدل دستوري وديني

02 فبراير 2016
(GETTY)
+ الخط -


يثير الدستور التونسي منذ المصادقة عليه في يناير/كانون الثاني 2014، جدلا واسعا بسبب عدم تطابق عدد من بنوده مع بعض القوانين التونسية، وتباين الآراء بين تجاوز ما جاء في الدستور أو تعديل بعض معطياته، أو تغيير القوانين المخالفة له.

وتعتبر قوانين الميراث في تونس المستمدة من الشريعة الإسلامية من المسائل العالقة التي طرحت في هذه الفترة للنقاش، بسبب تعارضها مع مبدأ المساواة بين المواطنين الذي تم النص عليه في الدستور.

وجاء في الفصل 21 من دستور تونس الجديد، أن "المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز". واستنادا إلى هذا الفصل طالبت رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات، منية بن جميع، مؤخرا، بالقضاء على التمييز بين الجنسين في تقسيم الميراث عبر تغيير القوانين الخاصة بهذا في مجلة (قانون) الأحوال الشخصية.

وأكدت بن جميع، أن المجلة التي قام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بسن قوانينها سنة 1956، لم تعد تستجيب لمتطلبات المرأة التونسية، رغم أنها اعتبرت رائدة وثورية في العهود السابقة وميزت المرأة التونسية تشريعيا عن نظيراتها في العالم العربي.

وبدا خطاب جمعية النساء الديمقراطيات جادا وصارما، في إثارة مطلب تغيير قانون الميراث في تونس، حيث كثفت ممثلات الجمعية من الظهور الإعلامي لإثارة الرأي العام وطلب المساندة من طرف الجامعيين والحقوقيين.

وتراوح التفاعل مع الموضوع بين تأييد عدد من المهتمين بهذا الشأن، من مفكرين وناشطين، واستنكار عدد كبير من رجال الدين المعروفين برفضهم لبعض ما جاء في الدستور، من بنود تتعارض حسب رأيهم مع تعاليم الشريعة الإسلامية.


وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، أكدت الناشطة الحقوقية والباحثة الجامعية، رجاء بن سلامة، أن "المساواة في الإرث هو التحدي الأكبر الذي ستواجهه حكومة نداء تونس، التي أكد ممثلوها في حملاتهم الانتخابية تعهدهم بحماية حقوق المرأة ودعمها.

وأكدت الباحثة أن المفكر التونسي صاحب كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، الطاهر الحداد، كتب منذ 85 سنة أن المساواة في الإرث بين الجنسين لا تتعارض مع روح النصوص الدينية، وقالت إن الوقت قد حان للكف عن معاملة المرأة التونسية التي تعتبر شريكا فاعلا في البناء، باعتبارها كائنا أقل قيمة من الرجل، وهو أمر فهمته الدول المتقدمة وطبقته منذ مئات السنين.

من جهته، أكد الفيلسوف التونسي المتخصص في أنثروبولوجيا القرآن، يوسف الصديق، لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة المساواة في الميراث يجب أن تطرح الآن كمسألة مساواة في الحقوق والواجبات، منتقدا الفهم السطحي للنصوص الدينية لدى البعض، داعيا إلى التمعن في دلالات النصوص العميقة وأثرها الطيب على الإنسان".

وأضاف الصديق أن "التعامل مع النصوص الدينية، يجب أن يكون بحسب ما يضمن رضا ومصلحة جميع الأطراف، بالنظر إلى الحقبة الزمنية التي نعيشها والتي تختلف عن أزمنة مضت".

من جهة أخرى، انتقد عدد من الأئمة والدعاة التونسيين تصريحات جمعية النساء الديمقراطية بخصوص المساواة في الإرث، معتبرين أنها مس بقداسة النصوص القرآنية، وتحدّ للمسلمات.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، اعتبر الداعية بشير بن حسن، أن "بعض الحقوقيين قد بالغوا في الاستعلاء على ثوابت الدين الإسلامي، في استهتار واضح بمشاعر التونسيين المتمسكين بشعائرهم الدينية، والرافضين لتركها تحت مسميات الحقوق والحريات".

وحول تعارض قوانين الميراث في تونس، مع ما جاء في الدستور الجديد من ضرورة المساواة بين المواطنين على جميع الأصعدة، قال الداعية إن "الخطأ يكمن في بنود الدستور التي يجب تغييرها بما يتماشى مع ما جاء في الشريعة الإسلامية، أو إلغاؤها تماما، فلا عدل يعلو على عدل الله".

وبعيدا عن الجدل الاجتماعي الديني، تبقى المشكلة القانونية قائمة، فمسألة الميراث هي إحدى الإشكاليات التي تكشف تعارض الدستور التونسي مع القوانين، والتي تتطلب في الأغلب تغيير القوانين نظرا لأن أغلب بنود الدستور غير قابلة للتعديل.


اقرأ أيضا:ألفة يوسف: لم أقترب من قدسيّة النصّ الديني

دلالات