واقترح عواد، خلال محاضرة في معهد الدوحة للدراسات العليا أمس الإثنين، تحليل الممارسة السياسية بشكلٍ منفصلٍ عن الخطاب عبر التركيز على دراسة أنماط العمل السياسي الفلسطيني المختلفة والتعبئة الاجتماعية والهُوياتية، إضافة إلى التفكير في التشكّل التاريخي والسياسي للفصائل الفلسطينية منذ انطلاقة العمل الفصائلي في المنفى نهاية الستينيات.
وحاول خلال محاضرة بعنوان "المسألة الفلسطينيّة الجديدة: قراءة مختلفة في الانقسام الفلسطينيّ الكبير"، قراءة الانقسام الفلسطينيّ بوصفه "صراعًا بين نمطيْن متضاديْن من أنماط التنظيم السياسيّ الاجتماعيّ الحديث، يملك كل نمطٍ منهما وسائله ومنطقه الخاص في تعبئة المجتمع نحو الداخل أو الخارج. يفكّر النمط الأوّل بالسياسة من الأعلى كما تفكّر الدولة بنزعتها نحو البيروقراطية والتوحيد والتمثيل السياسيّ الذي يتناقض منطقه مع الفصائلية الفلسطينية، بينما لا يخلو تفكير النمط الثاني من تصوّر الدولة كامتداد للسياسة من الأسفل، وهذا التناقض بين النمطين يمثّل اليوم المسألة الفلسطينية الجديدة".
وشدّد عوّاد في محاضرته على أهميّة "بناء إطار نظريّ ومنهجيّ ملائم لدراسة تعقيد بنية الفصائل الفلسطينية، وأنماط العمل السياسيّ الفلسطيني، وتحوّلاته الاجتماعيّة والبنيوية. يستفيد من العناصر التحليلية التي توفرها سوسيولوجيا التنظيم الاجتماعي، إضافة إلى دراسات الهُوية والشعبويّة والنسويّة ودراسات ما بعد الاستعمار، ليكون هذا الإطار النظريّ محاولة لفهم الأدوار التاريخية التي أدتها الفصائل في مرحلة ما بعد النكبة".
واقترح وفقًا لهذه المقاربة، النظر إلى بنية الفصائل الفلسطينية في تشكّلها في الخارج بوصفها نمطًا من أنماط العشائرية الجديدة التي تعرّض لها اللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية من أجل تعويض حالة "الاغتراب عقب صدمة النكبة"، والتي أنتجت بنية الفصيل الفلسطيني الذي استعار من الطوائف الشرق أوسطية أدواته في التعبئة السياسية، ومن البنى القبلية والعشائرية تضامنياتها الاجتماعية التي شدّدت على أواصر الأخوة والمصير المشترك.
وقال عوّاد إن "نكسة 1967، ومعارك الفدائيين ضد إسرائيل أعطتا الفصائل الفلسطينية زخمًا كبيرًا، ووفّرت منظمة التحرير الفلسطينية فيما بعد مظلّة سياسيّة وشرعيّة للفصائل الفلسطينية التي استمرّت حتى توقيع اتفاق أوسلو باحتكار السياسة الفلسطينيّة، مشكّلةً بذلك نمطًا من العمل السياسيّ الذي يفكّر بالدولة من باطن المجتمع، ويعتمد بشكلٍ أساسي على خطاب هُوياتيّ شعبويّ".
وأوضح أن "هذا النمط السياسي الاجتماعيّ اصطدم مع نمطٍ جديد تشكّل بعد اتفاق أوسلو، وتحوّل دولة الفلسطينيين في المنفى إلى سلطةِ حكمٍ ذاتيّ على أجزاءٍ من الضفّة وقطاع غزة، لينظر النمط الثاني إلى السياسة كما تنظر الدولة، أي من الأعلى، وعلى الرغم من أنّ النمط الثاني، الذي مثّله محمود عبّاس، استطاع بعد الانتفاضة الثانية حسم معركته في الضفة الغربيّة بسهولة، مستفيدًا من الدعم الدولي وهزيمة الفصائل، فإنّ مشروع أبو مازن هُزم وطُرد نهائيًا من قطاع غزة بعد موجةٍ من أحداث الاقتتال الداخلي عام 2007، قادت إلى سيطرة حركة حماس هناك".
وخلص عوّاد إلى أنه "على الرغم من أنَّ حركة حماس اعتُبرت الخصم الأيديولوجي والسياسيّ لعرفات حتى رحيله، فإنّها، وللمفارقة، شيّدت سلطةً في غزة، هي عمليًا استمراريّةٌ تاريخيّةٌ للعرفاتيّة، وتطويرٌ لأسسها، وهو ما يعني إمكانية اعتبار حماس اليوم حارسة حصن العرفاتيّة الأخير".
وقال إنّه "يمكن التفكير في عهد أبو مازن على أنّه تاريخٌ للصراع بين العرفاتيّة والعباسية؛ إذ عوّلت العرفاتية على إرساء توازنٍ بين الفصائليّة بشعبويتها، والدولانيّة، في حين أخذت العبّاسيّة منطق الدولانية إلى نهايته، ساعيةً إلى تذويب الفصائل في السلطة الوطنية الجديدة، وتحت مظلّتها البيروقراطيّة".
وختم محاضرته بالقول: "يمكن قراءة الانقسام الفلسطينيّ الكبير بين سلطة رام الله بقيادة حركة فتح، وسلطة غزة بقيادة حماس، من زوايا عديدة، اجتماعية وثقافيّة وسياسيّة وجغرافيّة، إلا أنَّ هذا المنظور النقديّ يقترح كذلك قراءته على أنه صراع بين عَهديْن مختلفيْن، أنتج كلّ عهدٍ منهما نظامًا يرتكز على رؤيةٍ خاصّة لفكرة السلطة والسياسة والتعبئة الاجتماعيّة".