"هيومن رايتس ووتش": ألغام "داعش" قتلت مئات المدنيين بينهم 150 طفلاً بالرقة

12 فبراير 2018
إزالة الألغام في الرقة السورية(تويتر)
+ الخط -


كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" اليوم الاثنين أن العبوات الناسفة (الألغام) قتلت وجرحت مئات المدنيين، بينهم أكثر من 150 طفلا، في الرقة في سورية منذ طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من المدينة في أكتوبر/تشرين الأول 2017.

وقال مدير قسم مكافحة الإرهاب في "هيومن رايتس ووتش"، نديم حوري، اليوم الاثنين "إن هزيمة "داعش" في الرقة اعتبرت انتصاراً دوليا، ولكن لم يرتقِ الدعم الدولي للتعامل مع آثار المعركة، لا سيما الألغام المميتة، إلى مستوى التحدي. قتلت الألغام وجرحت مئات المدنيين، وستزداد الأرقام على الأرجح مع عودة المزيد من النازحين".

وأوضحت المنظمة في تقرير نشرته اليوم أنها جمعت خلال زيارتها إلى المدينة أواخر يناير/كانون الثاني 2018، معلومات من "الهلال الأحمر الكردي" والمنظمات الطبية الدولية العاملة في المنطقة، بيّنت أنه بين 21 أكتوبر/تشرين الأول 2017 و20 يناير/كانون الثاني 2018، أصابت الألغام ما لا يقل عن 491 شخصا، بينهم 157 طفلا، وقتلت أغلبهم. ولفتت إلى أن العدد الفعلي للضحايا أعلى بكثير، نظرا لوفاة الكثيرين قبل تلقيهم أي مساعدة طبية وعدم توثيق هذه الحالات بالضرورة.

وأشارت إلى أن بعض أعضاء التحالف ضد "داعش" تبرعوا بالأموال اللازمة لإزالة الألغام، خصوصا لتطهير "البنية التحتية الحيوية". لكنها نقلت عن السلطات المحلية ومقدمي الخدمات الطبية في الرقة، مخاوفهم إزاء جهودهم المحدودة لمسح المناطق السكنية، والنقص في معدات وخبرات إزالة الألغام. ما دفع سكان الرقة إلى تقديم أموال لسكان محليين، بلا تأهيل أو معدات، للمخاطرة بحياتهم لإزالة الألغام من المنازل.

كما نقل التقرير عن السلطات المحلية، أن أكثر من 14500 أسرة عادت إلى الرقة، لا سيما في الأحياء الواقعة في ضواحي المدينة، مثل المشلب، بحلول 20 ديسمبر/كانون الأول 2017. وإنها تتوقع استمرار عودة أعداد أكبر، رغم ارتفاع مستوى التلوث بالألغام ومحدودية الخدمات المتاحة في المدينة المتضررة بشدة.



وسبق لـ"مجلس الرقة المدني"، المسؤول عن المدينة، أن أصدر توجيها في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 يحث الناس على عدم العودة إلى ديارهم، قبل تطهيرها من الألغام والعبوات الناسفة.

لكن العديد من السكان المحليين ممن قابلتهم "هيومن رايتس ووتش" قالوا إنهم عادوا للتحقق من منازلهم رغم المخاطر، لخوفهم من نهبها أو لعدم رغبتهم في البقاء في مخيمات النازحين.

وأشار السكان إلى أن أقاربهم وجيرانهم أصيبوا بجراح بسبب عبوات ناسفة انفجرت لفتحهم ثلاجة أو غسالة أو لنقلهم شوالا من السكر أو لدفعهم ببساطة باب غرفة نوم مفتوح. تظهر هذه الحالات أن إصابة معظم الضحايا أو مقتلهم، جاء بما يبدو وكأنه عبوة ناسفة معدة يدوياً تنفجر لدى ملامسة الضحية، بدلا من السيارات المفخخة أو التفجير عن بعد.



إلى ذلك، بيّن التقرير أن العبوات الناسفة المعدة يدوياً التي تنفجر بوجود شخص أو اقترابه منها أو ملامسته إياها، تندرج تحت تعريف الألغام الأرضية المضادة للأفراد، وهي محظورة بموجب "معاهدة حظر الألغام عام 1997". وتمنع المعاهدة استخدام الألغام الأرضية المضادة للأفراد تحت أي ظرف من الظروف، ويُمنع استخدامها حتى لو وُصفت كعبوات ناسفة أو شراك خداعية. لكن سورية لم تنضم إلى المعاهدة.

وشرح التقرير أن مفتاحا أو مفجرا شائعا يستخدمه "داعش" يعتمد على أجهزة استشعار خاملة بالأشعة تحت الحمراء، وهو جهاز استشعار إلكتروني يقيس ضوء الأشعة تحت الحمراء القادمة من أشياء تقع في مجاله، وينفجر حالما يمر شخص ما عبر منطقة معينة. وأشارت المنظمة إلى العثور على مثل تلك العبوات الناسفة في "مداخل الأبنية، وتحت الأدراج، وأكوام الحطام، وعلى الطرقات، وبين الأنقاض، وحتى مدفونة في الحقول".

دعمت الولايات المتحدة وباقي أعضاء التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش"، بما في ذلك المملكة المتحدة، ألمانيا، هولندا، وفرنسا، أو وعدت بدعم جهود إزالة الألغام، وبخاصة مسح "مواقع البنية التحتية الحيوية"، إضافة إلى تدريب السكان المحليين على تطهير المناطق السكنية. لكن الطلب المحلي على إزالة الألغام يفوق الخدمات المقدمة بكثير.



وقال أحد أعضاء المجلس المدني في الرقة، لـ"هيومن رياتس ووتش" إنه يمكن للأسر الطلب من مجلس الحي المحلي تفتيش منازلها قبل عودتها، إلا أن الطلبات تفوق القدرات الحالية. في أحد أحياء الرقة لوحده، ذكر المجلس المحلي تلقيه حوالي 10 طلبات تفتيش منازل يوميا، في حين قال إن قدرة السلطات المحلية على الاستجابة محدودة بعشر مهام تطهير أسبوعيا في كامل المدينة.




ورصد فريق "هيومن رايتس ووتش" خلال زيارته، شبانا يقفون في الشوارع لتقديم خدماتهم لتفتيش المنازل وإزالة الأنقاض مخاطرين بأرواحهم. قال أحد السكان المحليين إنه دفع 25 ألف ليرة سورية (نحو 50 دولارا) لرجل لتفتيش منزله. أضاف "كأنها لعبة روليت روسية، لكن حاجة هؤلاء الشباب للمال ماسّة".

وفي حين تبذل جهود ظاهرة لتثقيف السكان بشأن مخاطر الألغام في المدينة، من خلال ملصقات على التقاطعات الرئيسية والمباني الإدارية، إلا أنه لا يزال العديد من السكان يتعرضون للخطر خلال العودة.



وفي السياق، حثت المنظمة الجهات المانحة الدولية على اتوعية من مخاطر الألغام والعمل على نزعها لحماية الناس. كما على البلدان المجاورة لسورية تسهيل وصول منظمات إزالة الألغام وتقديم المساعدة الإنسانية للناجين.

وقال حوري "خلال زيارة الرقة، كان هناك تناقض مدهش بين الدعم الدولي لهزيمة "داعش" عسكريا"، والدعم المحدود لما بعد الهزيمة"، محذراً من أنه "إذا لم يتغير الوضع، سيستمر إرث "داعش" من الألغام الأرضية القاتلة لسنوات".

يشار إلى أن "هيومن رايتس ووتش" عضو مؤسس في "الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية"، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1997 لجهودها الرامية إلى تحقيق معاهدة حظر الألغام ومساهماتها في دبلوماسية دولية جديدة على أساس الضرورات الإنسانية.

(العربي الجديد)