المسحّرجي... صورة رمضان المفضلة في قلوب العراقيين

10 مايو 2020
لم يتوقف عن مهمته اليومية (زيد العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -
باختلاف المسميات، بين "المسحرجي" و"أبو الدمام"، أو مثلما يقولون في جنوب العراق "أبو طبيلة" أو "المطبلجي"، فإنّ المسحراتي يواصل مهمته الرمضانية اليومية في العراق، التي لم يثنه عن أدائها فيروس كورونا الجديد نفسه، إذ تحظر السلطات العراقية التجول ليلاً. مع تواصل تسجيل إصابات بفيروس كورونا بين العراقيين، وفرض السلطات المحلية إجراءات إقفال، كان رمضان هذه السنة بلا طقوس بارزة، لكنّ "المسحرجي" هو الوحيد الذي مارس مهمته غير آبه بشيء. يقول خالد الكروي إنّه دأب على أداء هذه المهمة منذ كان في العاشرة، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، إذ كان يصطحبه والده "المسحرجي" أيضاً في جولته التي استمرت بدورها نحو خمسين عاماً. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ جميع أهل حيّه غربي بغداد يعرفونه وينتظرون شهر رمضان ليسمعوا طبله ونداءه. يتابع: "بعض العبارات ألتزم بتردادها وهي: صلِّ على محمد. اذكر الله وصلِّ على رسول الله". يضيف: "أحياناً أردد بعض الأبيات من قصائد البردة النبوية، لذلك يحب الناس سماعي ويحرصون على أن يكونوا مستيقظين من أجل هذا. وقبل حلول رمضان يبدي كثيرون شوقهم لسماع ندائي".
ويعتبر اليوم الأول من رمضان أكثر الأيام شوقاً واستعداداً من قبل الناس لرؤية هذا الشخص الذي يعتبرونه أبرز رموز شهر الصوم، ويفضل كثيرون السهر أو الاستيقاظ قبل قدومه كي يخرجوا لمشاهدته والتقاط الصور معه وتسجيل مقاطع الفيديو له ونشرها على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، في تعبير عن الفرح بالطقوس الرمضانية.





جلال رحيم، الذي يؤدي مهمة "المسحرجي" في حيّ مكتظ شمالي بغداد، يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يُسرّ كثيراً بما يلقاه من ترحاب واهتمام من قبل الناس، وتحلق الأطفال حوله أو مشيهم معه مسافة قصيرة عند مروره قرب بيوتهم. يضيف: "أعرف جيداً شعور الناس والأطفال عند رؤيتي وأنا أضرب الطبل وأصدح بصوتي الأجش منادياً بقدوم وقت السحور، فأنا أيضاً كنت أفعل هذا في طفولتي. كنت أخرج مع بقية أطفال جيراننا حين نسمع صوت الطبل من بعيد وحين يصل المسحرجي إلى زقاقنا نهرع اليه راكضين ونلتف حوله ونردد ما يقوله". ويشير إلى أنّ هذه المهمة، إلى جانب أنّها "عمل فيه خير ومنفعة للناس، ما يزيد من حسناتي في الآخرة" فإنّ فيها أيضاً "منفعة مادية، خصوصاً أنّ عملي في ورشة الأثاث توقف بسبب تداعيات فيروس كورونا". ويجمع "المسحرجي" ما يجود به الناس عادة من "إكراميات" من دون تحديد قيمتها أو إجبار أحد على الدفع.


في المقابل، يقول الكروي إنّ الحصول على المال من هذه المهمة ليس غايته، خصوصاً أنّ له عمله الخاص، إذ يملك محلاً لبيع مواد البناء. يشير إلى أنّه يحافظ على صورته وصورة والده الراحل الذي اشتهر بأداء هذه المهمة التي يتولاها لهدفين؛ ديني وإنساني.
ويتفق الكروي ورحيم على أنّه بالرغم من حظر التجول في أثناء الليل، لكنّهما يمارسان مهمتهما بشكل طبيعي، إذ إنّ "المسحرجي" يتجول داخل حي معين قد لا يتعدى طوله كيلومتر واحد، والجهات الأمنية تتسامح معه بسبب طبيعة مهمته التي يعتز بها ويحترمها جميع العراقيين.
ويعتبر كثير من العراقيين "المسحرجي" جزءاً من تراثهم الإسلامي وموروثهم الشعبي المحلي، وهو ما تثبته مشاركة مواطنين غير مسلمين في الابتهاج برؤيته، وإعطائه الإكرامية أيضاً. يروي عصام صبري، حكاية عن والده حين سكن في حيّ جديد في منطقة الكرادة بوسط بغداد، عام 1974. يقول لـ"العربي الجديد": "كان عمري حينها أحد عشر عاماً، ولم يكن المسحرجي يعرف أنّنا غير مسلمين، وكان يقف أمام منزلنا ونحن نيام ويضرب الطبل حتى يستيقظ والدي ويخرج ليشكره".




يضيف: "بعد نحو أسبوع جاء المسحرجي في الصباح وأخذ يعتذر من والدي ويقول إنّه لم يكن يعرف، وكان يحرص على إيقاظنا ظناً منه أنّنا مسلمون. لكنّ والدي رفض اعتذاره وأقسم عليه أن يواصل مهمته ويوقظنا ليلاً". يتابع: "نحن نعتقد أنّ المسحرجي تراث عراقي يجب الحفاظ عليه، وبالنسبة لي ذهبت قبل رمضان إلى مهدي، وهو مسحرجي حيّنا، وكنت قلقاً من أن يمنعه كورونا من أداء مهمته، لكنّه طمأنني بأنّه لن يتغيب مهما حصل".
بالرغم من التكنولوجيا ووسائل الإعلام والتواصل المختلفة، يتفق المسحران خالد الكروي ورحيم جلال على أنّ الناس يترقبون قدومهما، ويتشوقون لرؤيتهما وينصحونهما بعدم ترك هذه المهمة. يقول جلال: "كثيراً ما يرفض الناس ذهابي بعد انتهاء مهمتي ويجبرونني على تناول السحور في منزل أحدهم". وهو ما يؤكده الكروي الذي يقول إنّه غالباً ما يعود إلى منزله حاملاً هدايا من حلوى وأطعمة أهداها له الناس في جولته الليلية.
المساهمون