في قرية الشموخ التابعة لناحية جلولاء في محافظة ديالى، الواقعة إلى شمال شرق بغداد، تعيش حنان (14 عاماً) وإخوتها الثلاثة عند جدّتهم لأبيهم. والدتهم تركتهم هناك بعد مقتل والدهم، عقب اجتياح تنظيم "داعش" المنطقة عام 2014، وتزوّجت من جديد. واليوم، يعاني الأيتام الأربعة وجدّتهم من جرّاء حياتهم البائسة. المدارس رفضت قبولهم بعد عودتهم من مخيّمات النزوح، بحسب ما تشكو جدّتهم التي تخبر "العربي الجديد"، أنّها لم تتمكّن من الاستحصال على راتب أبيهم المستحقّ، "فأنا كبيرة في السنّ وعاجزة عن إنجاز معاملات، تحتاج إلى المال والمتابعة في الدوائر الحكومية. إذاً، فضّلت التخلّي عن الراتب على الرغم من حاجة الصغار إليه".
نحو خمسة ملايين، هو عدد الأيتام في العراق، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في حين أنّ المجتمع لا يستوعبهم ولا القوانين تنصفهم. وهؤلاء يعيش معظمهم في فقر مدقع، بعدما فقدوا المعيل، بالتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. وكان المتحدث السابق باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عمار منعم، قد أوضح أنّ عدد الأيتام في الدور الرسمية بلغ 452 يتيماً فقط، منهم نحو 160 في بغداد والبقية في المحافظات الأخرى، مشيراً إلى أنّ ثمّة 23 داراً للإيواء في البلاد.
ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بحسب منعم، تهتمّ برعاية الأيتام من الجنسَين، من خلال استقبالهم في الدور الرسمية، ابتداءً من سنّ يوم وحتى إكمالهم الثامنة عشرة من عمرهم، مع توفير أجواء سليمة لهم لتعويضهم عن الرعاية والحنان العائليين اللذَين افتقدوهما، بالإضافة إلى تقديم خدمات الرعاية اللاحقة للذين يحين موعد مغادرتهم الدور. وأشار منعم إلى أنّه يجوز تمديد رعاية الإناث المستفيدات في تلك الدور إلى حين حصولهنّ على مأوى مناسب أو زواجهنّ أو عثورهنّ على فرصة عمل.
من جهته، يقول مدير مكتب "منظمة الحياة للإغاثة والتنمية" (لايف) الأميركية في ديالى، كيلان محمود، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا بدّ من إنصاف الأيتام، لا سيّما أنّ نسبتهم كبيرة في المجتمع العراقي وعددهم يتزايد يوماً بعد يوم. بالتالي، يتوجّب على الحكومة والجهات ذات العلاقة الإسراع في إيجاد حلول وقوانين تنصف هذه الشريحة وتهتمّ بها لتتمكن من العيش بكرامة، أسوة بالأطفال الذين يعيشون في كنف عائلاتهم". ويشير إلى أنّ "اليتيم ليس فقط من فقد أحد والدَيه أو كليهما، بل كلّ طفل تخلّى عنه والداه وتركاه في الشارع فريسة للعصابات المنظمة". ويتحدّث محمود عن "تباين في التعامل مع الأيتام في العراق. من لم يتوفّ والده أو والدته أو كلاهما في أعمال عنف، فإنّه لن يتمتّع بحقوق الطفل الذي توفي والده أو والدته أو كلاهما في معركة، بحسب القوانين المتعارف عليها في تحديد المتوفى شهيداً أو غير ذلك". ويشرح أنّ "أطفالاً أيتاماً كثيرين فقدوا آباءهم أو أمّهاتهم نتيجة أمراض أو حوادث مرور أو إهمال طبي أو بطريقة طبيعية أو غير ذلك".
ويوضح محمود أنّ "منظمة الحياة للإغاثة والتنمية" (لايف) الأميركية في العراق تعمل على كفالة الأيتام في المحافظة (ديالى) وكذلك في محافظات أخرى، لكنّها غير قادرة على كفالة كلّ أيتام البلاد. فالعدد (نحو خمسة ملايين) مهول، وهو يعادل عدد سكان بعض الدول الصغيرة، وفي حاجة إلى ميزانية خاصة من قبل الحكومة، لأنّ المساعدات المقدّمة من المنظمات المحلية والعالمية وكذلك فاعلي الخير من الميسورين لا يمكن أن تؤمّن له احتياجاته كلها". ويشدّد محمود على "ضرورة عدم قطع راتب الأرملة التي تتزوّج بعد وفاة زوجها، لأنّ أطفالها في حاجة إلى ذلك الراتب مهما كانت قيمته، ولأنّ زوجها الجديد قد لا ينفق على أطفالها الأيتام، بل ربما تتركهم عند أهلها أو عند أهل والدهم، بالتالي هم في حاجة إليه. كذلك ثمّة أيتام فُقِد والدهم ولم يعثروا عليه، الأمر الذي يستوجب صياغة قوانين جديدة تتناسب مع كلّ الحالات وتراعي جميع الأيتام".
في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية رؤى مهدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المشكلات التي يعاني منها الأيتام في العراق تفاقمت كثيراً بعد عام 2003 (غزو العراق)، نتيجة الصراعات الداخلية التي شهدتها البلاد، وما زاد الأمر تعقيداً هو عدم توفير قوانين، من قبل الحكومات المتعاقبة، من شأنها الحدّ من معاناة تلك الشريحة المهمّشة. وهو ما جعل كثيرين من هؤلاء ينخرطون في أعمال مشبوهة أو يتعرّضون للاستغلال من قبل عصابات منظّمة، لا سيّما تلك التي تتاجر بالبشر". تضيف مهدي: "لذلك تجد بعضهم يستجدي عند تقاطعات الطرقات وفي الأسواق. وكثيرون منهم تركوا المدرسة، لينخرط قسم كبير في عمالة الأطفال. لذلك لا بدّ من إيجاد حلّ سريع لقضيّة هؤلاء وتخصيص ميزانية تتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية التي يعانونها". وتشدّد مهدي على "ضرورة إنشاء دور أيتام جديدة في العراق، وفق المعايير الدولية، وليس فقط مجرّد دور إيواء. فمن شأن ذلك أن يحسّن نفسية هؤلاء ويخفّف من معاناتهم ويحد من نسبة المشرّدين منهم ومن الذين وقعوا فريسة فاقدي الضمير والإنسانية"، لافتة إلى "أهميّة تكفّل الدولة بتعليمهم حتى يكملوا دراستهم الإعدادية".