زلزال كرمانشاه يعرّي الجمعيات السكنية الحكومية

21 نوفمبر 2017
لم يعد صالحاً للسكن (فرح الزمان شوقي)
+ الخط -
انتهت عمليّات انتشال المدنيين العالقين تحت الأنقاض إثر الزلزال الذي ضرب مناطق في غرب إيران، خصوصاً محافظة كرمانشاه، وخلف ضحايا وأضراراً كبيرة. الزلزال الذي أدى إلى وفاة أكثر من 430 شخصاً وإصابة تسعة آلاف آخرين بجروح متفاوتة، كما خلّف أضراراً في ألف و960 قرية بحسب وزارة الداخلية الإيرانية، وأكثر من 15 ألف وحدة سكنية بالكامل، كذلك تحتاج 15 ألف وحدة سكنية أخرى إلى الترميم وإجراء بعض الإصلاحات. لكن الطامة الكبرى كانت في منطقة سربل ذهاب في كرمانشاه نفسها، القريبة من حدود إقليم كردستان ـ العراق. فبعد وقوع الزلزال مباشرة، تفاجأ الجميع بسبب حجم الأضرار الذي لحق بمنازل جمعية سكنية حكومية معروفة في إيران، كونها تنتشر في عدد من مدنها وقراها، واسمها "مسكن مهر"، والتي سكنها أهلها قبل أربع سنوات فقط، نقلاً عنهم.

في سربل ذهاب مشروعان لجمعية مهر الحكومية، أحدهما يضم 200 منزل، والآخر 576. والأخير هو الأكثر تضرراً، ولم يعد قابلاً للسكن. كما أنّ معظم ضحايا الزلزال هم من سكان هذه المباني، التي تهاوت جدرانها الجانبية والداخلية بالكامل، لتبقى أساساتها ثابتة فقط، ما عرّى الأبنية والقائمين عليها في آن.

كان كوليوند يتأمل ما بقي من منزله في مسكن مهر وكان ينتظر ابنه الشاب ليخرج من داخل المبنى حاملاً ما استطاع إخراجه من تحت الركام، وقد أشار بيده إلى بيته. يسأل: "هل ترين هذا الحائط هناك، ذلك الذي دقّ عليه لوح من الخشب؟ هذا هو حائط الموت، وسربل ذهاب باتت سربل عذاب".

كان كوليوند وأقاربه وجيرانه الواقفون حوله مذهولين من هول ما رأوا. زلزال بقوّة سبع درجات يعني أن الأمر كان مهولاً، إلا أن "الصدمة الأكبر" كانت حين رأوا مواد البناء المستخدمة في تشييد مساكنهم في هذه الجمعية، وقد انهارت الجدران وأسقفها، ما يعني أنها "ليست مطابقة للمواصفات"، على حد قولهم.
ليس بعيداً عن مبناه، كانت ستاره، وهي في عقدها الرابع تقريباً، تحاول حمل كل السجاد الذي أخرجته من منزلها. تقول: "إنه سجاد إيراني غالي الثمن، ولا أستطيع تركه هنا". كانت تتحدّث بلهجتها الكردية، مضيفة أن ابنها وجارتها التي فقدت زوجها وابنها في المستشفى. وها هي تحمل ما استطاعت من تحت ركام بيتها أيضاً. تقول إنّهما اشترتا بيتيهما قبل سنوات قليلة، ووضعتا فيه ما اختارتاه من السجاد والأثاث، لكنهما انهارا ببساطة، كحال كل شقق هذه الجمعية.

خسرتا الكثير (فرح الزمان شوقي)  


وما أثار كل هذه الجلبة رغم ضخامة الزلزال، هو أن مباني أقدم في سربل ذهاب نفسها لم تتعرّض للضرر الذي أصاب شقق هذه الجمعية، والتي أنشأت بالأساس لمساعدة الفقراء والقرويين على امتلاك منازل على غرار تلك الموجودة في قلب المدن.

بدأت خطة "مسكن مهر" في عام 2009، مع فوز الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية. في ذلك الوقت، أعلن أنه يريد بناء منازل للشريحة المتوسطة والفقيرة في إيران، واقترح وفريقه الحكومي تشييد جمعيات سكنية عند أطراف المدن فوق أراض مجانية وغير مستخدمة ولا تعود لأحد. وتزامن هذا مع ارتفاع شديد في أسعار العقارات في إيران، عقب تشديد العقوبات على البلاد آنذاك.



وحصلت حكومة أحمدي نجاد على قروض ضخمة من المصرف المركزي لتأمين النفقات، إلا أن الخطة انتقدت ما أدى إلى تأجيل العمل. وفي النهاية، بنيت على أطراف المدن وكانت خدماتها من كهرباء وغاز ومياه أقل جودة من غيرها، وهو ما جعلها عرضة لتحفظات كثيرين غير محسوبين على حكومة نجاد. واستكمل المشروع في سنوات لاحقة، وكان حلماً جميلاً لكثيرين. وشملت خطة جمعية مهر بناء أكثر من مليون ونصف المليون منزل كل عام. وبدأ المشروع في عام 2009، وشيدت أربعة ملايين وحدة سكنية نصفها في القرى.

بدأ مواطنون يحملون المسؤولية إلى عدد من الجهات (فرح الزمان شوقي)  


ورغم استمرار العمل في المشروع في عهد الرئيس حسن روحاني، إلا أنّ ما حدث إثر الزلزال أدى إلى انتقادات سياسية كما حدث سابقاً، بدلاً من أن يضع المسؤولون مصلحة المدنيين أولاً. وردّ وزير الطرق والمواصلات الأسبق علي نيكزاد على الانتقادات الحالية الصادرة عن معتدلين وإصلاحيين، قائلاً بحسب موقع تسنيم المحافظ، إن الزلزال أثّر على المدنيين، في وقت يصرّ السياسيون على التركيز على الخلافات من منطلق تباين الخطاب السياسي. وأكد أن مباني هذه الجمعية شُيّدت بموافقة مجلس الشورى الإسلامي مع مراعاة المواصفات والمعايير، تحت إشراف مؤسسة النظام الهندسي. أضاف أن الزلزال كان قوياً للغاية، والدليل على كون المباني جيدة هو عدم انهيارها بالكامل، باستثناء سقوط جدرانها الداخلية والخارجية، التي أشرفت على بنائها الشركة التعاونية للأعمال الحرة، ما يستلزم فتح تحقيق معها بالذات. أضاف أنه لولا جمعية مهر، لكان هؤلاء السكان يقطنون في قرى وبيوت طينية كانت ستتهدم بالكامل. أما رئيس مؤسسة النظام الهندسي، حسن قربانخاني، فينفي أن تكون هذه المؤسسة قد أشرفت بالفعل على هذه المشاريع.

لم يجب أي من القائمين والمدافعين عن هذه الجمعية على اتصالات "العربي الجديد"، ورفض آخرون تقديم إجابات تبرّر ما يقوله المدنيون. إلّا أنّ رئيس تحرير صحيفة "كيهان" المحافظة، حسين شريعتمداري، ذكر أن الزلزال كان قوياً للغاية، ما سيؤدي إلى دمار حتمي، منتقداً من فتح النار على المحافظين والقائمين على مهر في هذا الوقت، والسعي إلى الاستفادة من الأمر سياسياً. واعتبرت مواقع محافظة أن هناك مبالغة في الأمر، متناسية وجود آخرين على الأرض شهدوا حقيقة حجم الدمار البالغ في منطقة مسكن مهر.

وذكر نوّاب من البرلمان الإيراني، منهم رئيس لجنة العمران محمد رضا رضايي، أن ما حدث مؤسف، وعلى المعنيّين تقديم إجابات واضحة، لافتاً إلى أن البرلمان سيتدخل في الأمر لاحقاً، بحسب ما نقلت عنه مواقع إيرانية. ويقول النائب أحمد صفري لـ "العربي الجديد": "يجب عليهم الاعتذار على الأقل. تصريحات الأخذ والرد بين الساسة تزيد من قلق سكان جمعية مهر في مدن ومناطق أخرى. يجب الاعتراف بالأخطاء وتقديم توضيحات صريحة". ويدعو السلطة القضائية إلى اتخاذ إجراءات مشدّدة تزيد من الرقابة على تشييد المباني، قائلاً إنّه يجب وضع حد للتقصير، فالأمر يتطلب مراعاة المعايير والقوانين أولاً، خصوصاً أن مباني أخرى لم تتأثّر بهذه الشدة.

دلالات