دورات تطوير الذات خطيرة في روسيا

19 مارس 2017
تشبه التمارين العسكرية (أوليغ نيكيشين/ نيوزمايكرز)
+ الخط -
في أحيان كثيرة يشعر الروس بعدم الرضا عن عملهم وراتبهم وحياتهم الشخصية، ما يدفع بعضهم إلى البحث عن عصا سحرية تغير حياته جذرياً بصرف النظر عما إذا كانت تلك العصا تحمل الحلّ لتلك المشاكل أم لا.

العصا تلك هي دورات تطوير الذات التي تمثل تجارة كبيرة في روسيا في السنوات الأخيرة. هدف هذه الدورات "تنمية وتعزيز شخصية المتدرب حتى يتمكن خلال أسابيع قليلة من التحكم في الآخرين وتجاوز خجله وزيادة دخله وتكوين أسرة سعيدة". وهو اتجاه في علم النفس قائم على تدريبات تهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية تساعد الإنسان في الخروج من إطاره الفكري والتحرر وتحقيق السعادة.

لكنّ الواقع مختلف، فهذه الدورات لا تحقق للمتدرّب أحلامه دائماً، بل قد تؤدي في أحيان كثيرة إلى اضطرابات أو صدمات نفسية وصولاً إلى الموت أو الإقدام على الانتحار، مع تعذر مساءلة المنظمين والإثبات أنّ الوفاة جاءت كنتيجة مباشرة للتدريب. يعد منظمو دورات "سبارتا"، مثلاً، بجعل الشباب "رجالاً حقيقيين" مقابل نحو 20 ألف روبل (نحو 350 دولاراً أميركياً) خلال ثلاثة أيام فقط. لكنّ ذلك يجري عن طريق إجبار المشاركين على أداء تمارين منهكة نفسياً وجسدياً من دون استشارة طبيب. وبحسب مقاطع الفيديو المتوفرة على الإنترنت، تشبه دورات "سبارتا" تدريبات المجندين في القوات الخاصة، إلا أنّ الاختلاف يكمن في أنّ هذه "الخدمة العسكرية" تدوم ثلاثة أيام فقط ومن دون فحوص طبية.

ذاع صيت هذه الدورات في كلّ أنحاء روسيا نظراً إلى الحوادث المتكررة التي تسببت في إعاقة متدربين بل موت بعضهم. وقد لقي أحد المشاركين (44 عاماً) حتفه أخيراً في إحدى تلك الدورات إذ لم يتحمل قلبه التمارين البدنية الصعبة، وعثر على جثته قرب مركز التدريب.

في أحيان أخرى، تؤدي هذه الدورات التي ينظمها مدربون لا يحملون أي شهادات متخصصة، إلى انتحار المتدربين، في غياب أي آلية قانونية لمساءلة القائمين عليها. إلا أنّ هذه المخاطر لا تمنع عشرات آلاف الأشخاص في مختلف أنحاء روسيا من الالتحاق بمثل هذه الدورات ودفع قيمة الاشتراك فيها، لتتحول إلى قطاع كامل قائم على تسويق الوعود والآمال والأوهام.


من جهتهم، يحذّر خبراء نفسيون من أنّ دورات تطوير الذات تسلخ في أحيان كثيرة المشتركين عن الواقع مما يتسبب لهم في مشاكل كبيرة في عملهم وحياتهم الأسرية، مشيرين إلى أنّ الملتحقين بها يقعون في مصيدة الوعود بتلبية احتياجاتهم عن طريق إيجاد حلول لمشاكلهم من داخلهم.

مع ذلك، لا يخلو الالتحاق بتلك الدورات من تجارب ناجحة في حال كانت تركز على تطوير مهارات محددة على أيدي خبراء متخصصين، وليس على التسويق من خلال شعارات عامة مثل "تعلّم كيف تصبح مليونيراً" أو "كيف تصبح شخصية قيادية" أو "كيف تصبحين امرأة جذابة" وغيرها.

على مدى سنوات طويلة، عانت يكاترينا (32 عاماً) من الخجل وضعف مهارات التواصل، ما دفعها للالتحاق بدورة لتعلم الإلقاء والخطاب تجمع بين تمارين عملية وأخرى نفسية. تقول يكاترينا لـ"العربي الجديد": "لم أتمكن من تطوير مهاراتي في المحادثة بنفسي، فقررت الالتحاق بهذه الدورات. أدركت هناك أنّ المحادثة ليست موهبة، إنّما مهارة يمكن اكتسابها وتطويرها بمجهودك. أدركت أيضاً أنّ الناس يرحبون بمن يبادر بالحديث إليهم، ويجب أن أتعامل مع المستمعين على أنّهم أصدقاء، متذكرة أنّني لن أثير إعجاب الجميع في كلّ الأحوال وأنّ عليّ ألاّ أهتم كثيراً بما يظنه الناس عني".

وبعد تجربتها الناجحة، التي تمكنت خلالها من تحقيق الاستفادة القصوى كما تعتبر، تفكر المرأة الروسية الطموحة في الالتحاق بدورات أخرى لتطوير الذات. تنتظر وقت الفراغ المناسب لذلك، لكنّها بدأت في خطوات تمهيدية من خلال قراءة كتب في مجال علم النفس، وهو ما تشير إلى أنّه سيكون بمثابة عامل مساعد لها خلال تلك الدورات.

شهادة يكاترينا تمنح مصداقية لتلك الدورات. لكن، بصرف النظر عن فاعلية التدريبات أو فشلها، فإنّ الخبراء يتفقون على مبدأ أساسي هو أنّ الطريق نحو تحقيق التناغم الداخلي والسعادة والنجاح طريق طويل يتطلب إصراراً وعملاً وجهداً كبيراً، وليس دورة تدريبية تستغرق بضعة أيام أو أسابيع كما يتوهم البعض.

سيارة افتراضية
تضرب الشابة يكاترينا أمثلة على تدريبات تلقتها في إحدى الدورات: "يقف المشارك أمام الآخرين وعليهم التكهن بأحواله المختلفة قبل أن يكشفها بنفسه. وفي تدريب آخر، عليه أن يقود سيارة افتراضية على أن يكرر الآخرون حركاته، فيخرج المدرب باستنتاجات حول موقفه من الآخرين والأحداث، ويقدم للجميع النصح".
دلالات