النزوح أفشل خطط التفرقة في العراق

05 ابريل 2018
نازحون من الفلوجة إلى كربلاء قبل سنوات (فرانس برس)
+ الخط -

اضطر أكثر من خمسة ملايين مدني إلى النزوح من مناطق شمال العراق وغربه، عقب سيطرة تنظيم داعش التي بدأت في يونيو/ حزيران 2014. وراح النازحون يتوزّعون على مناطق وسط العراق وجنوبه التي كانت أكثر أمناً واستقراراً من العاصمة بغداد وبعض مناطق الغرب.

حينها، راحت قوافل المساعدات تتوجّه صوب الهاربين من جرائم "داعش" ومصدرها القبائل والمؤسسات الخيرية، وقد شاركت في الحملات الإغاثية الحكومات المحلية وكذلك منظمات من المجتمع المدني والعتبات الدينية. إلى ذلك، كانت ثمّة مبادرات فردية تطوعية، ومنها توفير السكن المجاني، مثلما فعل هادي التميمي من محافظة القادسية (الديوانية) الذي استقبل في منزله الثاني أسرة نازحة من قضاء الفلوجة.

يخبر التميمي "العربي الجديد" أنّ "عدداً كبيراً من النازحين وفدوا إلى منطقة الحمزة في الديوانية، ولم تكن تتوفّر حينها منازل للإيجار. امتلأت الجوامع والحسينيات بالناس، فقرّرت حينها إعطاء بيتي الثاني المتروك منذ زمن إلى إحدى العائلات من دون أيّ مقابل. وبالفعل استقرّت فيه إلى حين عودتها إلى مدينتها بعد تحريرها من داعش. وطوال تلك الفترة، لم يكن أفراد العائلة ضيوفاً إنّما أهل الدار".

بعد انتهاء الحرب على "داعش" التي استمرت نحو ثلاثة أعوام وتحرير كامل البلاد، عاد 45 في المائة من النازحين إلى مناطقهم المدمّرة من جرّاء تخريب البنى التحتية والمنازل المتعمد من قبل الإرهابيين، بحسب ما أفادت وزارة الهجرة والمهجرين في أواخر العام الماضي.

في السياق، كان المجلس المحلي لمحافظة كربلاء قد أنفق من أمواله المخصصة لقطاعَي المياه والكهرباء نحو مليارَي دينار عراقي (نحو مليون و700 ألف دولار أميركي) على النازحين الوافدين إلى المحافظة خلال العامَين الماضيَين، في حين أكّد أنّ أبنية الدوائر الحكومية المتروكة جرى ترميمها بهدف جعلها سكناً مناسباً لأسر المناطق الغربية الشمالية. ويقول عضو المجلس ناصر الخزعلي لـ"العربي الجديد" إنّ "كربلاء استقبلت خلال عامَي 2015 و2016 نحو 16 ألف أسرة نازحة من مناطق القتال. حينها، أعلنّا حالة استنفار قصوى لرعايتهم وتوفير احتياجاتهم الأساسية، وقدّمنا لهم السكن وهو الأهم، وفُتحت أبواب الجوامع والحسينيات والدوائر الرسمية المتروكة وكذلك فنادق أطراف المدينة".


يضيف الخزعلي أنّ "المحافظة استطاعت خلال أشهر بناء أكبر مخيّم للنازحين في جنوب العراق، ضمّ نحو 1200 أسرة. والعتبات الحسينية هي الأخرى سارعت بتوفير المستلزمات الضرورية من طعام وملبس، خصوصاً أنّ أسر كثيرة هربت من داعش من دون حمل ما يكفي معها من ملابس أو أموال. وقد فتحت إدارة عتبتَي الإمامَين الحسين والعباس مدينة كاملة كانت معدّة لاستقبال زائري كربلاء في شهر محرّم، وجعلتها سكناً للنازحين. وهي تُعدّ من أكبر المدن وأكثرها تطوّراً لجهة البناء والعمران". ويلفت الخزعلي إلى أنّ "نازحين كثيرين عادوا إلى ديارهم ومناطقهم وتركوا المحافظة، في حين فضّلت 142 أسرة البقاء في كربلاء إذ استقرّت فيها ووجدت الحياة فيها جيدة وكذلك الأعمال، كذلك لارتباط أبنائها بالمدارس. أمّا الموظفون من بين هؤلاء فقد نقلوا أصولهم الإدارية إلى كربلاء".

تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الهجرة والمهجّرين العراقية أكدت في 18 مارس/ آذار الجاري، أنّ نسبة النازحين الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية (نينوى والأنبار وصلاح الدين) تخطّت 50 في المائة، في حين أشارت إلى أنّ جهود الحكومة ما زالت مستمرة لإعادتهم إلى مناطقهم بعد استكمال كل الإجراءات اللوجستية.

من جهتها، جذبت مدينة النجف آلاف الأسر النازحة، وتؤكد حكومتها أنّ أكثر من 30 في المائة من النازحين فضلوا البقاء فيها بعد تحرير مناطقهم، بسبب الدمار الكبير الذي لحق بمنازلهم. ويقول عضو المجلس المحلي للنجف زهير الجبوري لـ"العربي الجديد"، إنّ "نازحي الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى وحتى المناطق الساخنة من بغداد وفدوا إلينا، فقدّمنا لهم كلّ ما نستطيع تقديمه من دون أن نقصّر في أيّ شيء. كذلك فإنّ الأهالي فتحوا أبواب منازلهم للنازحين، لنشهد أرقى صور التعايش الإنساني".

يضيف الجبوري أنّ "نازحين من الأنبار لا سيّما من مناطق أقصى الغرب، كانوا خائفين من الدخول إلى النجف، بعد ممارسات سيئة لبعض القوى السياسية الطائفية وكذلك التنظيمات المتطرفة، لكنّهم حين دخلوا إلى المحافظة، لم يجدوا إلا أبواباً وقلوباً مفتوحة لهم". ويؤكد أنّ "المواكب الحسينية (الخيم) كانت أوّل مكان يستقرّ فيه النازحون قبل أن يدخلوا إلى المدينة ويستقرّوا في منازلها. وبعض من تلك المنازل توفّر مجاناً لأهالي الأنبار".


في السياق، يقول عضو البرلمان العراقي عن مدينة البصرة سليم شوقي لـ"العربي الجديد" إنّ "النزوح أمر سيئ ونتمنى ألا يحدث مرّة أخرى، لكنّه في الوقت نفسه قضى على كل الطائفيين الذي عملوا جاهدين طوال 15 عاماً لتفريق الشيعة والسنة. النزوح أفشل خططهم". يضيف شوقي أنّ "الفترة العصيبة التي مرّت بها البلاد إبان احتلال تنظيم داعش لمناطق عدّة، أحدثت تجانساً وتواصلاً لم نشهده بين العراقيين منذ زمن بعيد"، لافتاً إلى أنّ "هذه الحرب جسّدت المعنى الحقيقي لربّ ضارة نافعة. وعلى الرغم من ضررها البالغ فإنّها جعلت من الشعب متماسكاً وفضحت الطائفيين من السياسيين وغيرهم".