تباين في تطلعات شباب روسيا للهجرة

06 ديسمبر 2019
في انتظار الرحلة المرجوّة (Getty)
+ الخط -


تتباين التقديرات الخاصة بأعداد المواطنين الروس الراغبين في الهجرة والعيش في خارج البلاد. وبينما أظهر استطلاع للرأي أعدّه مركز "ليفادا" في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أنّ أكثر من نصف الشباب ما بين 18 عاماً و24 يرغبون في مغادرة روسيا بلا رجعة، بيّن استطلاع آخر للرأي أعدّه هذه المرّة "مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام" أنّ نسبة أمثال هؤلاء لا تزيد عن خمسة في المائة. وقد أوضح "مركز عموم روسيا" أنّ 40 في المائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم لا ينوون الهجرة مهما كانت الظروف، فيما يرغب 41 في المائة في السفر حول العالم والحصول على فرصة للتعلّم والعمل في الخارج ثمّ العودة إلى الوطن.

وكان مركز "ليفادا" قد أعاد النسبة العالية للراغبين في المغادرة النهائية إلى مجموعة من العوامل. وفي مقدّمة الأسباب التي ذكرها الأشخاص المستطلعة آراؤهم، السعي إلى ضمان مستقبل أفضل للأبناء (45 في المائة)، والوضعان الاقتصادي والسياسي في روسيا، وتفوّق جودة الخدمات الطبية والتعليمية في الخارج. ويوضح الباحث في علم الاجتماع من مركز "ليفادا"، ستيبان غونتشاروف، لـ"العربي الجديد"، أنّ "النسبة العالية للراغبين في الهجرة بين الشباب تعود إلى استرشادهم بالوسائل العالمية لنقل المعلومات ووجودهم في بيئة متعددة اللغات والثقافات". يضيف أنّ "الشباب لا يستوعب نموذج تطوّر البلاد الذي تقترحه الدولة، كما أنّ حياتهم لم تستقرّ مثل حياة الأجيال الأكبر سنّاً. وفي إطار استطلاعات الرأي التي تتناول موضوع الشباب الروسي والهجرة، كانت مؤسسة "غالوب" الأميركية قد بيّنت من خلال دراسة سابقة نشرتها في خلال الربيع الماضي، أنّ 20 في المائة من سكان روسيا كانوا يتمنّون الهجرة في عام 2018، مضيفة أنّ نسبة الشباب من بين هؤلاء بلغت 44 في المائة.



وتعكس النسبة الحالية للراغبين في الهجرة، وفق الاستطلاعات التي يعدّها "ليفادا"، استمراراً لتزايد تطلّعات الشباب ومتوسّطي العمر لمغادرة البلاد منذ عامَي 2014 و2015، حين عرف الاقتصاد الروسي مجموعة من اختبارات قاسية من جرّاء تدنّي أسعار النفط العالمية والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب الوضع في أوكرانيا. ويعلّق غونتشاروف على ذلك، قائلاً إنّه "بعد ضمّ شبه جزيرة القرم في ربيع عام 2014، ازدادت تعبئة السكان وارتفعت نسب التأييد والثقة في السلطة، بما في ذلك بين الشباب. لكنّ مؤشرات استحسان السلطة بدأت في التراجع في ما بعد". مع ذلك، يدعو غونتشاروف إلى التفريق ما بين أمزجة الهجرة والمغادرة الفعلية، مشيراً إلى أنّه "في أحيان كثيرة، تكون الطرق المتاحة للهجرة أمام الشباب محدودة، ويقتصر الأمر على فرص للدراسة بالخارج ومحاولة للبقاء هناك. لكن ثمّة طرق أكثر تتوفّر أمام الكبار وميسوري الحال". وبالفعل، تؤكد نتائج استطلاع "ليفادا" المشار إليه آنفاً أنّ ثمانية في المائة فقط من الأشخاص المستطلعة آراؤهم يستعدّون للهجرة أو يدرسون الفرص المتاحة.

ولمّا كانت بيانات "مركز عموم روسيا" قد أكّدت رغبة الشباب الروس في العودة إلى الوطن بعد استكمال الدراسة بالخارج، فإنّ أولغا كارامالاك التي تخرّجت في برنامج "فولبرايت" الأميركي واحدة من هؤلاء. هي تخصصت في تدريس الروسية كلغة أجنبية في عام 2012، وتخبر "العربي الجديد": "لم أرغب في البقاء في الولايات المتحدة الأميركية لأسباب عدّة، أوّلها علاقتي الوطيدة مع والديّ، بالإضافة إلى أنّ العيش وراء المحيط لا يناسبني إذ يتطلّب السفر الطويل جواً". تضيف ردّاً على سؤال حول الفرص المهنية في روسيا والولايات المتحدة الأميركية، أنّ "فرص العمل والترقية بالنسبة إليّ أفضل في روسيا، إذ كنت سوف أضطر إلى الدراسة من جديد في الولايات المتحدة". وتؤكد أنّه "على الرغم من المعاملة الطيبة وما أحمله من ذكريات طيبة من تجربتي في الولايات المتحدة، فأنا أحبّ وطني، بالإضافة إلى أنّني لم أجد وراء المحيط مزايا كبيرة للبقاء وغضّ الطرف عن سلبيات عدّة".



وتفيد بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" بأنّ 440 ألف شخص غادروا روسيا في عام 2018، علماً أنّ 58.9 ألفاً منهم إلى بلدان خارج رابطة الدول المستقلة، فيما بلغ عدد المهاجرين قبل ذلك بعام نحو 377 ألفاً. وبذلك، تظهر البيانات الإحصائية أنّ عدد مغادري روسيا بدأ يتزايد في عام 2014، حين ارتفع ليتخطّى 308 آلاف في مقابل 186.3 ألفاً فقط في عام 2013.
دلالات