أحدث قرار الحكومة السودانية منع تصنيع أكياس البلاستيك نهائياً، وحصر الكمية المصنعة حاليا، ومنع تداولها في أسواق ومتاجر العاصمة وبين أيدي المواطنين، بالنظر لأضرارها الصحية على صحة الإنسان والبيئة على حد سواء، جدلا كبيرا بين أرباب المصانع والتجار، الذين عبروا عن رفضهم لهذه الخطوة، باعتبار أنها ستؤدي إلى إغلاق نحو 150 مصنعاً، وتشريد عشرات الآلاف من العمال.
واعتبر المحتجون أنّ قرار المجلس الأعلى للبيئة، الذي صدر السبت الماضي، ويدخل حيز التنفيذ في يناير/ كانون الثاني المقبل، يؤكد فشل الحكومة في حل أزمة النفايات في العاصمة. وأكد هؤلاء أن المبررات التي سيقت لإيقاف المنتج، لا تسنتد إلى وقائع حقيقية، لغياب الدراسات العلمية والتجربة التي تثبت تأثير الأكياس على صحة الإنسان، وتسببها في أمراض السرطان، كما يروج، مشيرين لتداولها بين المواطنين لأكثر من مائة عام.
وتواجه العاصمة السودانية الخرطوم، أزمة نفايات حقيقية، حيث تغزو معظم الطرقات والأسواق الكبيرة الأكياس المتطايرة والمتراكمة، وفشلت عدة محاولات حكومية وشعبية في وضع حد لها.
وبحسب رئيس المجلس الأعلى للبيئة، حسن إسماعيل، فإن كلفة نظافة كل محلية من محليات العاصمة الثلاث، تراوح بين اثنين إلى ثلاثة مليارات جنيه، مؤكداً أن حجم النفايات اليومي يبلغ نحو سبعة آلاف طن.
ودافع إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، عن قرار إيقاف مصانع البلاستيك ومنع تداولها، مؤكداً أنه اتخذ بعد دراسة أثبتت الآثار السلبية للأكياس الخفيفة على البيئة والصحة بشكل عام، فضلاً عن عدم مواءمتها لمواصفات ومقاييس السلامة الصحية.
وقال "وصلت الحكومة لقناعة بوقف صناعة البلاستيك المتداولة في المتاجر والبقالات والمخابز وغيرها، لأضرارها على صحة الإنسان والحيوان والبيئة عموما"، وأشار لتأكيدات هيئة المواصفات والمقاييس بأن الأكياس المتداولة بالأسواق والمحلات التجارية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس.
وأكد أن القرار سيبدأ تنفيذه في يناير/كانون الثاني المقبل، لمنح أصحاب المصانع مهلة لتوفيق أوضاعها، وإيجاد بديل صحي وبيئي، مشيراً لمخاطبة أصحاب المصانع بالخطوة، وكذلك وجود 20 مصنعاً بلاستيكياً تعمل بشكل غير مرخص ودون شروط قانونية، بجانب عدد كبير من المعامل العشوائية التي تضخ كميات كبيرة من الأكياس في الأسواق.
وفي تعليقه على إسهام القرار في تشريد العاملين، أشار إلى أهمية تغليب المصلحة العامة، وقال "نحن بالقرار نتحدث عن مصلحة عشرة ملايين، من حقهم أن ينعموا بعاصمة نظيفة، وبسلوك صحي يحمي صحتهم". ورأى أن هناك عدة بدائل للأكياس، جميعها صديقة للبيئة، بخلاف الأكياس التي يصعب جمعها كنفايات باعتبارها خفيفة، وتحملها الرياح من داخل شاحنات النفايات.
من جهته، قال حمدان موسى، صاحب مصنع "أكياس بلاستيك" في أم درمان، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرار إيقاف صناعة أكياس البلاستيك ستترتب عليه أضرار على الدولة نفسها، فضلاً عن أصحاب المصانع والعاملين فيها، بالنظر إلى أن مصنعاً واحداً يعين بين مائتين إلى ثلاثمئة عامل، سيتحولون إلى عاطلين من العمل.
وأوضح أن "الأكياس يتم تداولها لسنوات عدة، ولم نسمع أنها أثرت على صحة الإنسان، ولو كان الأمر كذلك، لكان أهالي السودان جميعهم مصابون بالسرطان كما يُتداوَل"، ولفت إلى ضرورة إخضاع القرار لمزيد من الدراسة والبحث عن البدائل التي تسهم في الاقتصاد وتحسن من مستوى المعيشة. وأضاف "عموما لا نرى أي ضرر للأكياس على البيئة أو صحة الإنسان، وإلا لما كان رخّص لها في بادئ الأمر".
أما رئيس قسم البيئة بجامعة أم درمان الأهلية، خالد محمد الحسن، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى الآن لم يثبت أي ضرر لأكياس البلاستيك على صحة الإنسان، باستثناء عبوات البلاستيك الخاصة بالمشروبات الغازية، التي تفرز مشاكل في حال تعرضها لحرارة عالية أو درجة تجميد، حيث تطلق مواد سامة ومسرطنة".
وأشار إلى أن الضرر الأساسي للأكياس يتصل بالتربة والمياه والنباتات، فضلا عن التلوث البصري بالنظر لانتشارها في الفضاء الواسع وبالمياه. وأوضح أن "الأكياس وفقا لمكوناتها غير قابلة للتحلل وتراكمها لفترات طويلة على التربة يقوم بحجب الغذاء ويعيق انسيابه، فضلا عن أنها تعمل على خنق النباتات وتمنع عنها الأكسجين"، وكذلك لتأثيراتها على المياه وما تسببه من مشاكل للكائنات الحية، حيث تعمل على خداعها وتظن أنها غذاء فتلتهمه ومن ثم تصاب بالاختناق.