موازنة السودان.. مطالب بمكافحة الفقر ودعم التعليم والصحة استكمالاً للثورة

28 ديسمبر 2019
التعليم المجاني الفعال من حقهم (أشرف الشاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

الثورة في السودان لم تنتهِ، وإن أطاحت نظام عمر البشير. فالثورة بما تعني من تغيير، ينتظر المشاركون فيها نتائجها الواعدة بدءاً من موازنة 2020، فهل ستلبي طموحاتهم في محاربة الفقر ودعم الخدمات؟

بمثل ما فرحوا بمناسبة مرور عام على اندلاع ثورتهم، يعيش السودانيون حالة من القلق والترقب في انتظار أول موازنة عامة للبلاد بعد الثورة، وهي موازنة عام 2020. ويأملون في دعم أكبر لقطاعي الصحة والتعليم، عدا عن مكافحة الفقر والحدّ من أرقامه المخيفة، التي تزايدت في السنوات الأخيرة بسبب الفشل التنموي الذي تقف خلفه ممارسات الحكومات السابقة في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، بالإضافة إلى الفساد والهدر والمحاصصات في مختلف الإدارات العامة وتلزيمات المشاريع، التي لا يُنجز منها غير القليل، وتبقى مجرد خطط نظرية تخصص لأجلها تمويلات غالباً لم يكن أحد يعرف أين تذهب.

تقول فاطمة السر، وهي موظفة في القطاع الحكومي، إنّها تتقاضى شهرياً نحو 3 آلاف جنيه (60 دولاراً أميركياً) تنفق معظمها على تعليم أبنائها الخمسة وعلاج أمراضهم الطارئة، مشيرة في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أنّها تضطر للعمل في المساء من أجل تحسين ظروفها المعيشية. وتأمل السرّ في أن تعمل حكومة ما بعد الثورة التي شاركت فيها، ومعها ابنها الكبرى، في مساعدة حكومية لها على الصمود وعدم الوقوع تحت خط الفقر التي قالت إنّها تقترب منه. تأمل السرّ أكثر في مشروع الموازنة العامة الذي ستجيزه الحكومة في الأيام المقبلة، مشددة على أهمية أن يكون الدعم الأكبر في الموازنة لصالح قطاعي الصحة والتعليم بما يضمن تعليماً مجانياً بالكامل، وعلاجاً مجانياً بالكامل.

وضع قطاع الصحة سيئ في السودان (فرانس برس) 


تفاؤل

السرّ ليست وحدها التي ترغب في تخصيص موارد ضخمة من الخزينة العامة لصالح التعليم، ويتفق السودانيون على نحو شبه إجماعي على تقصير النظام السابق في مجال دعم البنود الاجتماعية في الموازنة العامة، إذ لم ينفق النظام الذي سقط في 11 إبريل/ نيسان الماضي غير 4 في المائة من جملة الموازنة على التعليم والصحة، وهو أمر لا يريدون تكراره من قبل حكومة ما بعد الثورة ويطمحون أكثر في تجاوز المصاعب كافة والوصول إلى الكفاية، ثم الرفاهية، لا سيما أنّهم دفعوا ثمناً مرتفعاً لإنجاح ثورتهم.

يقول الدكتور فتح الرحمن علي، أستاذ الاقتصاد السياسي، إنّ السودانيين يعيشون هذه الأيام حالة احتفالية ضاعفت آمالهم بالرخاء المعيشي، وينتظرون ملامح موازنة حكومة الثورة الأولي وفي ذاكرتهم جملة أسباب الثورة متمثلة في الضائقة المعيشية وغياب الخدمات الاجتماعية، خصوصاً التعليم والصحة وتبني النظام السابق موازنة حرب طوال 30 عاماً، فعاشت الخدمات الاجتماعية بأسوأ ما يكون، وفي كلّ عام يسوء الوضع أكثر معيشياً. يضيف علي لـ"العربي الجديد": "حكومة الثورة ستكشف عن موازنة يأمل الشعب في أن يجري فيها استقطاع الموارد من مخصصات الدعم السريع العسكري والأمني، لصالح الدعم الاجتماعي أي التعليم والصحة، وتقليص مجمل الإنفاق على القطاع العسكري وزيادة الإنفاق علي القطاع المدني، بالإضافة إلى ضرورة تركيز الموازنة علي مجانية التعليم ودعم الصحة وفق برنامج السياسات البديلة، وهكذا يمكن الخروج من أزمة الدولة السودانية، وتجسيد شعار الثورة: حرية، سلام وعدالة".



يضيف: "لا بد من مجانية التعليم التي تكفل تكافؤ الفرص لجميع أبناء وبنات السودان بعدما حولت سياسات النظام السابق التعليم إلى سلعة رفاهية وفق عقلية ربحية لا تميز بين المولات والمدارس، ووضعت الصحة في مقام يذهب فيه الغني والمقتدر إلى مستشفيات تصنف بالنجوم كأنّها فنادق، فيما يتشارك المرضى والقطط الأسرّة والطعام في مستشفيات الفقراء، بل يموت المريض انتظاراً لطبيب هو نفسه يعمل من أجل الهروب إلى دول الخليج". ويؤكد علي أنّه لا معنى لموازنة 2020 إن لم يكن همها الأول وهدفها المحوري التحول من موازنة حرب إلى موازنة سلام، ولا سلام ولا حرية ولا عدالة سوف تتحقق إن لم توجه الموازنة بوصلتها إلى الدعم الاجتماعي بخدماته كافة، من تعليم وصحة وكفالة أيتام وأرامل وأصحاب حاجة، وأن تذهب أموال الزكاة إلى مستحقيها الشرعيين لا جباتها".

تشاؤم

لكنّ تهاني عباس، الناشطة في مجال الحقوق العامة، ليست على تفاؤل بمشروع الموازنة الذي تخطط له حكومة ما بعد الثورة، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ القلق لا ينتابها هي شخصياً، بل إنّ مجموعة من المنظمات التطوعية الناشطة في مجال الحقوق وفي مجال الدفاع عن المرأة تشاركت ذلك القلق واجتمعت وتحركت بشكل عاجل لرفض الموازنة التي أعلنت الحكومة مؤشراتها العامة في أكثر من مناسبة. توضح عباس أنّ الموازنة اعتمدت خطط البنك الدولي الداعية لتحرير كلّ شيء بما في ذلك الخدمات الأساسية، وذلك لن يلاقي القبول لأنّ الخدمات الصحية والتعليمية متدهورة أساساً، والجيد منها عصيّ على كثيرين من ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن أولئك الذي يعيشون تحت خط الفقر. تلفت عباس إلى غياب مشروع الموازنة عن الاهتمام بمواضيع مهمة تتعلق بتعليم البنات، مشيرة إلى أنّها بعد اطلاعها على مشروع الموازنة، اكتشفت عدم الاهتمام بقضايا المرأة وبالمساواة ما بين مدارس الذكور والإناث، إذ لم يظهر أيّ مشروع لزيادة مدارس البنات ما يعني تضييق مساحة تساوي الفرص بين النساء والرجال، سواء على مستوى التعليم وفرص العمل والمشاركة في التنمية. تضيف عباس أنّ مشروع الموازنة يتناقض كلياً مع استراتيجية التمكين الاقتصادي كوسيلة معتمدة دولياً في مجال مكافحة الفقر وهو ما يزعج كثيرين، بحسب تقديرها.

تمكين المرأة مطلوب (أشرف الشاذلي/ فرانس برس) 


من جهتها، تطالب الصحافية سهير عبد الرحيم، بزيادة نسبة التمويل لقطاعي التعليم والصحة لتصل على الأقل إلى 53 في المائة، بحسب توصيات الأمم المتحدة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّه لن يكون هناك عجز كبير إذا قلصنا موازنتي الأمن والدفاع اللتين كانتا تستأثران في سنوات البشير بما جملته 70 في المائة من الموازنة العامة للدولة. توضح أنّ منح الأولوية للتعليم والصحة من شأنه أن ينعكس بصورة إيجابية في مكافحة الفقر عن طريق توفير فرص عمل كبيرة ومحاربة البطالة، ما ينعكس بدورها في النمو والانتعاش الاقتصادي. كذلك، دعت عبد الرحيم إلى الاهتمام بقطاعي الزراعة ورعي المواشي من منظور اجتماعي لأنّ الاهتمام بهما من شأنه مكافحة الفقر عن طريق توفير فرص عمل أكبر وإغراق السوق بالمنتجات الزراعية والذي من شأنه تخفيف أعباء المعيشة عن كاهل المواطن". تضيف: "دعم قطاع الصحة والتعليم يوفر الحدّ الأدنى من العلاج المجاني والتعليم المجاني لشريحة كبيرة من المواطنين تحت خط الفقر".

ومع القلق العام، أكد رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أنّ موازنة الدولة للعام 2020 ستخصص موازنات مقدرة لقطاعات التعليم والصحة والبنى التحتية والإنتاج باعتبارها من القطاعات التي ستدفع بالبلاد إلى الأمام، من دون تقديم مزيد من التفسير حول حجم المبالغ المرصودة.



بدوره، يشير الخبير الاقتصادي، خالد التجاني، إلى أنّ الموازنة تقترح في المجالات الاجتماعية أولاً تقديم دعم اجتماعي مباشر لستين في المائة من المواطنين في شكل دعم نقدي مباشر، وقد تعهدت بمضاعفة الأموال المخصصة للصحة والتعليم بحسب معايير الأمم المتحدة الخاصة بالأهداف الإنمائية للألفية، مع دعم مجانية التعليم، وتشغيل الشباب والحدّ من زيادة نسبة البطالة في البلاد، بتوفير 50 ألف وظيفة. يكشف التجاني لـ"العربي الجديد" أنّ تلك المشاريع الخاصة بالدعم الاجتماعي جيدة نظرياً، لكنّه يحذر من أنّ تمويل تلك المشاريع لن يتمّ ما لم يوفر السودان دعماً مالياً دولياً.

يوضح التجاني أكثر أنّ تجربة النظام السابق الذي خصص مؤسسات للدعم الاجتماعي مثل مؤسسة وصناديق الضمان الاجتماعي وشبكة التأمين الصحي، فشلت تماماً في تحقيق أهدافها لا سيما ما يختص بمجانية العلاج والتعليم، وأنّ الأثر الذي خلفته تجربتها ضعيف جداً، لافتاً إلى أنّ النظام السابق كان مراراً يعدّ برامج واسعة للصحة والتعليم، لكنّه سرعان ما يتراجع عنها ولا ينفذ فعلياً إلاّ القليل، وهذا ما لا يريده الثوار خصوصاً، والمواطنون عموماً، بعد الثورة.