محامون سعوديّون يبحثون عن إعادة اعتبار

18 نوفمبر 2016
مشاكل كثيرة تمنع المحامين من أداء عملهم (العربي الجديد)
+ الخط -

تحاول وزارة العدل السعودية تقليص الفجوة بين القضاة والمحامين، بعدما تسببت العلاقة المتوترة بينهم في التأثير على سير القضايا في المحاكم المختلفة. وعلى الرغم من إقرار قانون المرافعات والإجراءات الجزائية قبل أربعة أعوام، إلا أنّ قلّة من القضاة تطبّقه، فيما يرفض كثيرون - خصوصاً القدماء منهم - الاقتناع حتى بدور المحامين. وقد دفع ذلك بعض القضاة إلى رفض وجود المحامين في الجلسات، بحجّة أنّ المتهم يستطيع الدفاع عن نفسه. من جهتها، تحاول الهيئة السعودية للمحامين إيجاد حيّز لها، يساعدها على سنّ قوانين تحمي ممارسي المهنة.

وكشف الأمين العام لهيئة المحامين، بكر الهبوب، عن أنّ ثمّة لجنة رسمية بدأت أخيراً في درس نظام المحاماة وتحديثه، بعد مرور 14 عاماً على إصداره. وأوضح أنّهم يعدّون "مسوّدة الخطة التشغيلية للأمانة العامة ومعالم استراتيجية لهيئة المحامين، تمهيداً لإقرارها". أمّا الهدف من ذلك فإعادة الاعتبار لمهنة المحاماة، وإجبار القضاة على التعامل مع ممارسيها. يُذكر أنّ قضاة المحاكم الابتدائية مُنحوا سلطة تشريعية واسعة، قد تصل إلى سجن المحامي من دون سند قانوني صريح. وقد فعل ذلك قاضٍ في الجوف (شمال غرب)، عندما أمر بسجن محامٍ لأنّه اختلف معه في الرأي، في حين أقدم قاضٍ آخر في جدة (غرب) على الحكم على محامٍ بالجلد لأنّه ذكر التهم التي يوجهها موكله إلى زوجته. هو عدّها قذفاً بحق الزوجة.

المستشار القانوني أحمد الرشيد تعرّض شخصياً إلى مواقف محرجة عدّة في قاعة المحكمة، يقول إنّ "كثيرين هم القضاة الذين لا يفهمون حقيقة دورنا ويجدونه بلا فائدة". ويشرح لـ "العربي الجديد": "نعاني من مشاكل كثيرة تمنعنا من أداء عملنا. من جهتي، أُبعدت مرّة عن إحدى الجلسات لأنّ القاضي لم يردني أن أتحدث نيابة عن موكلي، قائلاً إنّ للمتهم لساناً ويستطيع التكلم. وعندما اعترضت على أسلوبه، أمر بإخراجي مهدداً بسجني". يضيف الرشيد: "صحيح أنّ ثمّة محامين قد يتجاوزون صلاحياتهم، إلا أنّ ذلك لا يبرر طرد محامٍ أو توقيفه أو جلده أو سجنه على خلفية ترافعه أمام قاضٍ. فهذه العقوبات تسيء إلى القضاء أكثر ممّا تسيء إلى المحامين. وهي تبعث ربما برسالة خاطئة مفادها أنّ ثمّة تعسفاً في استخدام السلطة واحتقاراً لمهنة المحاماة والمحامي". ويتابع أنّ حقوقهم كمحامين مهضومة، إذ لا توجَد جهة تنظر في شكاوى المحامين وتحاسب القضاة الذين يخطئون في حقهم.




من جهته، يشير المستشار القانوني، ماجد العيسى، إلى أنّ "القضاة الجدد هم الذين يتفهمون أهمية دور المحامين، على عكس القضاة القدماء"، مقرّاً بأنّ ثمّة محامين يتعمّدون إثارة غضب القاضي. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "نظام المحاماة صدر في السعودية في عام 2001، وعلى الرغم من ذلك ما زال القاضي لا يتقبّل المحامي، خصوصاً لدى القضاة القدماء. فهؤلاء يعتبرونه وكيلاً شرعيا فقط". ويضيف العيسى أنّ "الفكر والعقلية يختلفان من شخص إلى آخر. فالقاضي قد تحكمه أمور اعتادها منذ نشأته، ومن الصعب أن يقبل بتغييرها في فترة قصيرة. الأمر يحتاج إلى وقت أطول".

لم تنجح "العربي الجديد" في التواصل مع قضاة عللوا تمنّعهم بأمر ملكيّ يحظّر الأحاديث الإعلامية. لكنّ مصدراً في وزارة العدل يشير لـ "العربي الجديد" إلى أنّ ثمّة محامين قد يتجاوزون الأنظمة ويتسبّبون في توتّر العلاقة بين القاضي والمحامي. ويؤكد على أنّ "اللوم لا يقع كله على القضاة، فتصرفات بعض المحامين غير لائقة إطلاقاً، وبعضهم مشهور بالمشاكل. ولو أراد القضاة تطبيق نظام المحاماة على هؤلاء ومحاسبتهم، ربّما سحبوا تراخيصهم من اليوم الأول". ويتابع المصدر نفسه أنّه "من النادر رؤية قاضٍ يتجاوز محامياً. لو حدث ذلك، فثمّة إمكانية للشكوى أمام مرجع القاضي والتظلم". لكنّ المصدر لم يبرئ ساحة القضاة بالمطلق وقال: "قد تكون ثمّة اجتهادات غير موفّقة من قبل بعض القضاة. فهم ليسوا معصومين. لكنّها حالات قليلة".

في هذا السياق، يتوقّع محامون أن يساهم تطبيق نظام الإجراءات الجزائية في حماية حقوق المحامين وموكليهم، ويضع حداً لتسلط القضاة، خصوصاً أنّه يحدد إجراءات المرافعات. ويشير المستشار، تركي الناصر، إلى أنّ "ثمّة عقليات ما زالت ترفض النظام". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "لا بدّ من التأكيد على أحقيّة المتهم في التواصل مع من يشاء أو عدم إبعاد وكيله عنه أو إخباره بسبب توقيفه". ويضيف أنّ "ثمّة فقرات كثيرة من النظام ما زالت معطلة، فالتحقيقات تجري في غياب المحامي. كذلك لا يسمح بعض القضاة للمحامين بالحديث".

دلالات