للأسبوع الثاني، تواصل أمانة العاصمة العراقية بغداد، عمليات هدم وتجريف واسعة لما تطلق عليه "التجاوزات" على الأرصفة وجوانب الطرقات، وذلك بالتزامن مع حملة مماثلة لهدم الدور التي شيدت على أراض مملوكة للدولة في أطراف بغداد وأحياء شمال وشرق العاصمة.
أسفرت الحملة حتى الآن عن إزالة عشرات الأكشاك والبسطيات (بسطات) من على الأرصفة في مناطق عدة من بغداد وهو ما خلف جدالاً واسعاً في الشارع العراقي حول مشروعيته، خصوصاً أنّ تلك الأكشاك والبسطيات تساهم في إعالة أسر كاملة بلا عمل.
تبيع الأكشاك والبسطيات الخضار والفواكه والسجائر والمواد المنزلية وألعاب الأطفال والصحف. وتقول السلطات المحلية في بغداد إنّها تشوه منظر عاصمة العراق، وتساهم في تكدس النفايات، وتستولي على أرصفة مخصصة للمارة، فيما يدافع أصحابها عن أنفسهم بأنّهم لو وجدوا مكاناً آخر للعمل ما رضوا بالشارع. واشتكى أصحاب البسطيات من عدم وجود أماكن بديلة لهم غير الأرصفة وجوانب الأسواق، معتبرين أنّ إزالة بسطياتهم من قبل دوائر البلدية من دون توفير أماكن بديلة لعمليات البيع والشراء قطعت أرزاقهم تماماً. ويعتبر هؤلاء أنّ العمليات المستمرة لإزالة أكشاكهم تجاوز على حقهم في العيش، وأنّ هذه الإجراءات ليست في الوقت المناسب، فالبلاد تمرّ في حالة فقر وبطالة شديدة.
المهندس صلاح البدري، من أمانة بغداد، يوضح أنّ "هناك مشكلة بوجود هذه البسطيات على الأرصفة في الأسواق والشوارع العامة لأنّها تقطع الطريق على المواطنين من جانب، وتشوه مظهر الشوارع وتتعدى على حق المواطن من جانب آخر". لكنّ البدري يقرّ بمشكلة أخرى وهي عدم توفر أماكن بديلة كافية لأصحاب البسطيات: "وهو ما يجب على الحكومة أن تأخذه بالاعتبار، خصوصاً أنّ هذه البسطيات تعتاش منها آلاف الأسر الفقيرة".
في المقابل، يقول ياسر حسن (35 عاماً): "تخرجت من الجامعة، ولم أتمكن من الحصول على وظيفة، فلست عضواً في أحد الأحزاب ولا أملك المال لأدفع رشوة كي أحصل على وظيفة، لذلك اشتريت عربة صغيرة لبيع اللبلبي (الحمص المسلوق) وأنشأت فوقها سقيفة صغيرة في أحد شوارع بغداد، ففوجئت بهدمها من قبل البلدية". يضيف حسن لـ"العربي الجديد": "المشكلة أنّهم لم يوفروا لنا أماكن بديلة للاسترزاق، بل اكتفوا بهدم البسطيات والعربات والسقائف التي تعيش منها آلاف العائلات الفقيرة، فأين نذهب ونحن نعيش في بلد مليء بالفقر والبطالة؟".
اعتبر ناشطون أنّ إزالة "التجاوزات" ما هي إلّا تضييق على أصحابها. ويقول الناشط صادق جبر: "كان في الإمكان تنظيم وقوفهم وأخذ تعهدات بعدم رمي النفايات إلا في الحاويات المخصصة. مرارة قطع الأرزاق لا يعرفها إلا من اكتوى بنارها، أما إذا كانت الحجة هي القانون، فأعتقد أن لا خير في القانون الذي لا يوفر لقمة الخبز والعيش الكريم للمواطن". قال ناشطون آخرون إنّ إزالة المخالفات من الأرصفة والشوارع ظاهرة حضارية للحفاظ على المظهر العام للمدن وحفظ حق المواطن في المرور. وذكر الناشط ميثم العبودي، أنّ كثيراً من أصحاب البسطيات يتجاوزون فعلاً على الأرصفة والشوارع بفرشهم على أرض الرصيف أو نصبهم أكشاكاً عليه إلى حدّ عدم تمكن أصحاب السيارات من المرور في بعض الشوارع، خصوصاً داخل الأسواق العامة. يتابع العبودي: "لا بدّ من تنفيذ القانون على الجميع، لكنّنا في الوقت نفسه نطالب الجهات الحكومية بإنشاء أماكن أخرى بديلة لأصحاب البسطيات حتى لا تقطع أرزاقهم وأرزاق أسرهم، فليس لديهم مصدر دخل آخر يعيشون منه".
الأسبوع الماضي، أقرت أمانة العاصمة بتعرض عدد من موظفيها المكلفين بإزالة التجاوزات في بغداد لاعتداءات بالضرب، مهددة بأنّها ستقيم دعوى قضائية ضد المعتدين. وجاء ذلك بعد أيام من بيان مماثل قالت فيه إنّ منزل مدير قسم إزالة التجاوزات في الرصافة ببغداد، تعرض لهجوم نفذته جماعة مسلحة، معتبرةً أنّ ذلك جاء بسبب الحرص المستمر على تنفيذ حملات متواصلة لإزالة التجاوزات التي شوهت مظهر العاصمة.
يصف عضو التيار المدني العراقي، محمد القيسي، الجدل الحالي بأنّه حق لكلّ الأطراف. يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "مشهد الأكشاك والبسطيات بات مؤذياً للعاصمة، ومسبباً للمشاكل لدى المارة والسيارات، كما أنّه مؤذ للنظر، لكن في الوقت نفسه، هناك آلاف العائلات التي تعيش من أكشاك الرصيف، وواجب الدولة أن تخلق لهم مصدر رزق محترماً أو تنشئ لهم ساحات خاصة كبازارات شعبية يبيعون فيها". يتابع أنّ "إزالتهم من الرصيف تعني أنّ عدد العاطلين من العمل ازداد، وعدد الأسر التي فقدت دخلها ازداد، وهو أمر غير منطقي أو إنساني، ويجب تقديم وضع الأسر على وضع الأرصفة في بغداد".