تقرير حقوقي يرصد "كيف يدفع أطفال مصر ثمن الحرب على الإرهاب"

21 نوفمبر 2019
سجن طرة (Getty)
+ الخط -



أصدر مركز بلادي للحقوق والحريات - منظمة مجتمع مدني مصرية - تقريراً حديثاً بعنوان "صُنع في السجن: كيف يدفع الأطفال ثمن الحرب على الإرهاب"، رصد فيه كيف بلغ اتساع دائرة تأثير المقاتلين وأنصار تنظيم "داعش" وما يتبعه من ولاية سيناء، ذروته في مصر خلال عامي 2014 و2015، وكان تأثيره على الأطفال والنشء كبيراً.

ووثّق المركز 1556 حالة قبض على أطفال أقل من 18 سنة اتُّهموا اتهامات سياسية ما بين يوليو/ تموز 2013 حتى ديسمبر/ كانون الأول 2018، وتصدرت التقرير 198 حالة إخفاء قسري، و66 حالة تعذيب، منها 3 حالات تضمنت اعتداءات جنسية، وحالة تعذيب أدت إلى الوفاة، و35 حالة إهمال طبي، منها حالتا وفاة.

ورصد المركز تعرُّض الأطفال لحرمانهم الخصوصية والزيارة والتواصل مع العالم الخارجي، ما يؤدي إلى حرمانهم الأسرة وغياب شبكة الدعم الاجتماعي الممثلة بالمدرسة والأصدقاء، بالإضافة إلى سوء أحوال الحبس، مثل غياب التهوية الملائمة والمنع من التريض في أقسام الشرطة.

يضاف إلى المعاناة المتعمدة من إدارة السجن، الاكتظاظ الحاد، إذ يفوق عدد السجناء في مصر 60 ألف سجين. وبحسب المجلس القومي لحقوق الإنسان بلغ اكتِظاظ السجون ما يفوق طاقتها الاستيعابيّة بنسبة 160 بالمائة على الأقل، الأمر الذي أدى إلى إعلان بعض السجون حالة الاكتفاء مثل سجن دمو في الفيوم.

ووثق التقرير 192 حكماً قضائياً على أطفال تحت 18 عاماً، تراوح أحكامهم بالسجن لمدة تقلّ عن سنة، وصولاً إلى أحكام بالمؤبد والإعدام، على خلاف القانون.

وعن نتائج الصدمة النفسية على الأطفال والنشء، قال التقرير: "تزداد حدة الصدمات النفسية وتأثيرها في الفئات الأكثر عرضة للإيذاء، مثل الأطفال، خاصة في ظل ظروف الاحتجاز وما يترتب عنها من انتهاكات وأوضاع استثنائية، إذ تتشكل الصدمة النفسية في عمر مبكر نتيجة حدث أو عدة أحداث مروّعة لأمن الطفل أو مهددة لحياته أو محطة بشكل عنيف لكرامته مثل الاعتقال، الإيذاء المعنوي المتواصل، التعذيب، حرمانهم المفاجئ للموارد المادية ودوائر الدعم، وجودهم في مناطق النزاع المسلح، وتعرض أولياء أمورهم أو الأشخاص القريبين منهم للخطر".

وتابع: "يمكن المعاناة أن تولّد الطاعة والخضوع، لكنها يمكن أن تسبب ردة فعل انتقامية أو انتحارية أيضاً. تسبّب الصدمة النفسية ردود أفعال وتغيرات حادة تطيح توازن الأفراد عامة والأطفال خاصة، وتجعل منهم أشخاصاً شديدي الاضطراب، فاقدين لمعايير صلبة عن ماهية الخطأ والصواب، ما يفتح الباب أمام أقرب المؤثرات لتعيد تشكيل قيمهم تجاه التطرف والإرهاب، حيث يكون السجين كأنه صفحة بيضاء يسهل إعادة كتابتها وتشكيلها، في ظل غياب توجيه سليم، سواء من الأسرة أو مؤسسات التنشئة".

ورصد مركز بلادي عدة حالات لسجناء أطفال رفضوا فجأة التعاون مع المحامين، ولأطفال كفّروا القضاة أو وكلاء النيابة خلال التحقيق، أو أعلنوا انتماءهم إلى داعش وكفّروا بقية السجناء. لم يكن لقضايا هؤلاء الأطفال صلة بداعش قبل الحبس، بعضهم اتهم بالشغب وانتهاج العنف ضد جماعة الإخوان في أثناء حكم الرئيس محمد مرسي.

أبرز هذه الحالات كانت للطفل صفيّ الذي حكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات على خلفية أحداث شغب ضد مقارّ جماعة الإخوان المسلمين.

وطالب المركز في ختام التقرير بالإفراج الفوري عن الأطفال الذين لم يثبت تورطهم في جرائم دون أدلة، وعدم محاكمة الأطفال إلا كملاذ أخير ووفقاً للمعايير الدولية، وفصْل السجناء التكفيريين عن السياسيين ومعتقلي الرأي في السجون وأقسام الشرطة.

كذلك طالب بفصل النشء - كل من لم يبلغ 21 عاماً - عن البالغين في أماكن الاحتجاز، وتفعيل مساحات تواصل ملائمة للمساجين مع ذويهم خارج السجن عن طريق الزيارات والإعاشات والمكالمات الهاتفية، وتوفير مساحات مناسبة للتريض وأدوات للنظافة الشخصية.

ودعا إلى تفعيل دور الأزهر داخل السجون وفتح قنوات للحوار مع المتشددين والتكفيريين. وبناء قدرات فردية للسجناء تساعدهم على أن يصبحوا مواطنين فاعلين عقب الإفراج عنهم. منها القراءة والتعليم، تعلم الحرف، تسهيل طرق مواصلة الدراسة، تنمية القدرات الذهنية والبدنية، واستبدال نظام المراقبة في الأقسام بساعات تأهيل نفسي للمساجين السابقين وخدمة عامة.

إلى جانب المطالبة بتفعيل دور منظمات المجتمع المدني في وضع خطة لإصلاح السجون بما يتوافق مع المصلحة الوطنية، والسماح لمنظمات المجتمع المدني المصري بالتعاون مع الجهات الدولية المختصة بالرقابة على أوضاع السجون، وتخصيص ميزانية لإصلاح السجون من مرافق ورواتب ووسائل نقل، وتطبيق آليات للمحاسبة على انتهاكات السجون وعرض نتائجها للمواطنين.

ولم تفته المطالبة بإنشاء آلية تعويض للمحبوسين الذين لم يرتكبوا جرائم عنف أو تعرضوا لانتهاكات خلال فترة حبسهم، وإدراج الأطفال المتضررين من الانتهاكات للعلاج النفسي وتعويض الضرر.