هدنة عيد سورية... البحث عن الفرح وسط الأنقاض (صور)

عدنان علي

avata
عدنان علي
14 سبتمبر 2016
30814239-FBC2-46D3-AFA2-FE7F148A3F45
+ الخط -
منذ سنوات كفّ السوريون عن الاحتفال بقدوم العيد إلا في أضيق الحدود، نظراً للأوضاع الأمنية المتدهورة والتي تجعل الخروج إلى الشوارع مسألة غير آمنة في كثير من المناطق، فضلا عن أجواء الحزن التي تلف الكثير من العائلات بسبب فقدان واحد أو أكثر من أفرادها، موتا أو سجنا أو هجرة.

يضاف إلى كل ذلك، الغلاء الفاحش في الأسعار وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، الأمر الذي يحد من قدرتهم على الوفاء بمتطلبات العيد ولوازمه المختلفة.

هذا العام، استبشر غالبية الناس خيراً بتزامن قدوم عيد الأضحى مع الإعلان عن هدنة شاملة في البلاد. وساد الهدوء النسبي الكثير من المناطق، خصوصاً في الغوطة الشرقية وحمص، وبدرجة أقل في بقية المحافظات، فضلاً عن مجمل مناطق سيطرة قوات النظام والتي تشمل محافظات دمشق والسويداء واللاذقية وطرطوس ومدينتي حمص وحماة.

غير أن النظام اخترق الهدنة في العديد من المناطق، خصوصاً محافظتي إدلب وحلب، في ثالث أيام العيد، بحيث كانتا الأكثر تعرضاً للقصف، الذي تسبب بسقوط عشرات القتلى أخيراً. وقتل 10 مدنيين، وأُصيب 17 آخرون في أول أيام العيد، جراء غارة جوية للنظام السوري على بلدة معرة مصرين في أول انتهاك للهدنة، فيما قتل العشرات يوم وقفة العيد جراء غارة على سوق شعبي في المدينة.

وحاول الناس التواقون للفرح استعادة بعض أجواء العيد، وتوافدوا صبيحة اليوم الأول إلى الأسواق لشراء الألبسة والحلويات، رغم المخاوف من القصف الجوي للتجمعات، كما عمد كثيرون من أهالي إدلب إلى تحضير "الكعك" و"المعمول"، اللذين يعدان من ركائز العيد، إذ يحضرها الأهالي منزليا أو يتم شراؤها من المحال التي كان بعضها عامراً بأشكال من الحلويات، وإن بكميات أقل من العيد السابق.
كما انخفض الإقبال على شراء الفواكه التي عادة ما تقدم إلى جانب الحلوى في العيد نظرا لارتفاع أسعارها.

وبالنسبة للأضاحي، كان الإقبال محدوداً نظراً لارتفاع سعر الأضحية الواحدة إلى نحو 80 ألف ليرة، علماً أن متوسط الأجور الشهرية هو 20 ألف ليرة. وقد تم إعداد قوائم بأسماء العائلات المستحقة لاستلام لحوم الأضاحي، والتي اشترت ووزعت معظمها الجمعيات الخيرية، التي وزعت أيضاً ملابس جديدة على اليتامى بهدف التخفيف من معاناتهم.


ولا يختلف الحال كثيراً في محافظة حلب عنه في إدلب، إذ تعرضت الكثير من أحياء الجزء الشرقي من المدينة وريفها لقصف مدفعي، أوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. وتعرض أحد مساجد حي المشهد للقصف أثناء خروج المصلين من صلاة العيد، ما تسبب بسقوط أربعة قتلى وإصابة 15 آخرين، فيما استهدفت طائرات النظام بعدة غارات أحياء الجزماتي، وأرض الحمرا، والمعصرانية، وبستان الزهرة، ما تسبب بسقوط جرحى.

ومرت الأيام الثلاثة الأولى من العيد دون دخول قوافل المساعدات الإنسانية إلى الجزء الشرقي من المدينة بسبب اشتراط النظام الإشراف على دخولها وتفتيشها، الأمر الذي رفضه الجانب التركي الذي أعد شاحنات المساعدات، بينما وقفت الأمم المتحدة حائرة بلا خطة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى حلب، وفق نص اتفاق الهدنة بين الجانبين الأميركي والروسي.

وتسبب إعاقة دخول المساعدات في مفاقمة الأوضاع الإنسانية الصعبة في المدينة، التي تخضع للحصار منذ أكثر من شهر.

فرحة الأطفال بالعيد في عربين السورية (عامر المحباني/فرانس برس) 


أما في وسط البلاد، فكانت الأحوال أكثر هدوءا رغم تعرض بعض المناطق في حمص وحماه للقصف المدفعي، لكن غاب الطيران الحربي عن سماء المنطقة، في حين ساد هدوء ملحوظ في مناطق الغوطة الغربية بريف دمشق، لم تعكر صفوه سوى الاشتباكات في القلمون بين فصائل المعارضة وتنظيم الدولة.
وفي العاصمة دمشق التي تعيش استقرارا أمنيا بشكل عام، عكر الغلاء والحواجز الأمنية أجواء العيد، حيث تحد الحواجز من تنقلات الناس نظرا لما ينطوي المرور عليها من مضايقات أو حتى خطر الاعتقال، خاصة بالنسبة للشبان في سنة الخدمة العسكرية أو الاحتياطية، لذلك يفضل معظم الناس التزام بيوتهم وقصر تنقلاتهم على جيرانهم والأماكن القريبة.
كما أن غلاء الأسعار الفاحش للملبوسات والحلويات والفواكه واللحوم وغيرها من اللوازم الأساسية للعيد حد من الفاعليات وجعلها تقتصر على أبسط الأشياء.

وإذا كان عيد الأضحى يقترن بذبح الأضاحي، فإنّ هذا التقليد تراجع إلى حد بعيد. ومن اعتاد على ذبح عدة أضاحي في العيد، اقتصر على أضحية واحدة، ومن كان يخطط لذبح أضحية من أصحاب الدخل المحدود، تراجع عن ذلك واقتصر على الدجاج أو جلس ينتظر أن تصله قطعة لحم ممن كانت أحوالهم أفضل منه.

وعادة ما ترتفع أسعار الأضاحي في عيد الأضحى، لكن هذا العام كان الارتفاع أكبر بالنظر إلى قلة عدد المواشي في الأسواق، وارتفاع سعر صرف الدولار، إضافة الى أجور النقل من المحافظات الأخرى، والفوضى الحاصلة في تجارة المواشي، كما يقول أبو محمد، الذي يعمل في تجارة المواشي.

فرحة العيد بامتطاء الخيل في حلب (ثائر محمد/فرانس برس) 


وتقول رامية، من سكان دمشق، إن راتب زوجها كله لا يكفي لشراء ملابس العيد لأولادها وبناتها، بحيث يصل سعر القميص إلى 5000 ليرة، بينما يزيد سعر السروال الجيد عن عشرة آلاف ليرة، وسعر بنطلون الجينز للأولاد إلى 2000 ليرة.
وتضيف لـ"العربي الجديد"، أن كسوة ولد واحد قد تستهلك ثلثي الراتب، وهو ما يدفعنا إلى المفاضلة وشراء السلع الأكثر إلحاحاً، بحيث نشتري قطعة ملابس واحدة لكل طفل.

وتضيف: "هذا حال الموظفين الذين يسكنون منازل ويتقاضون رواتب، فما بالك بالنازحين من المحافظات أو المناطق الأخرى الذين يستأجرون بيوتاً وليس لديهم مورد رزق. هؤلاء لا يستطيعون شراء أي قطعة ثياب مهما كان سعرها منخفضاً، حيث لا مال لديهم، وكل ما يستطيعون فعله هو النظر إلى واجهات المحال وانتظار المساعدات وصدقات العيد".

وتشير دراسة قامت بها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا) أواخر الشهر الماضي، إلى أن أكثر من 80 في المائة من سكان سورية يعيشون حالياً تحت خط الفقر جراء الأزمة التي تمر بها البلاد منذ أكثر من خمسة أعوام والتي أسهمت في فقدان الأرزاق والموارد وتراجع مستويات المعيشة بشكل غير مسبوق.

طفلة سورية تحتفل بالعيد في جرابلس (أمين سنسار/ الأناضول) 

ذات صلة

الصورة
في مستشفى شهداء الأقصى، وسط دير البلح، 8 يونيو 2024 (سعيد جرس/ فرانس برس)

منوعات

لا يحتفل الصحافيون الفلسطينيون في قطاع غزة بعيد الأضحى هذا العام، فهم بعيدون عن عائلاتهم، ويواجهون تحديات عدة في محاولتهم الاستمرار بتغطية جرائم الاحتلال.
الصورة
سورية (بلال الحمود/ فرانس برس)

مجتمع

يحرص السوريون على زيارة المقابر في العيد. زيارات تعبّر عن مشاعر الحنين إلى الأقارب والأصدقاء الذين خسروهم، وكانت لهم الكثير من الذكريات معهم
الصورة
لا بهجة بعيد الأضحى في غزة، 15 يونيو 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يطلُّ عيد الأضحى هذا العام على أهالي قطاع غزة وسط أجواء من الحسرة والفقد والنزوح والبعد عن منازلهم، التي أجبروا مكرهين على تركها تحت تهديد القصف.
الصورة
فرحة العيد غائبة في الدانا شمال سورية (عدنان الإمام)

مجتمع

غابت أجواء عيد الأضحى في يومه الأول عن الدانا بريف إدلب شمال غربي سورية، وخفتت فرحة الأطفال بهذه المناسبة، فالأوضاع المعيشية صعبة في الوقت الحالي، إضافة إلى أن الألعاب بعيدة عن المدينة ويصعب عليهم الوصول إليها والاستمتاع ببهجة العيد مع رفاقهم.