"صقيع عيد الغطاس" يجتاح موسكو

26 يناير 2019
(سيرغي كراسنوخوف/ فرانس برس)
+ الخط -


تعرّضت العاصمة الروسية موسكو في خلال الأيام الأخيرة إلى أكبر موجة من "صقيع عيد الغطاس" منذ عام 2012، مع انخفاض درجة الحرارة إلى نحو 20 درجة مئوية دون الصفر. ولأنّ أواخر يناير/ كانون الثاني تشهد في كلّ عام موجة من البرد القارص، فإنّ ذلك صار جزءاً لا يتجزأ من واقع روسيا وصار يترافق مع عادات شعبية، إلى حدّ أنّه أطلق عليه "صقيع عيد الغطاس". يُذكر أنّ العيد يصادف يوم 19 من الشهر الأوّل من العام.

يقول الأستاذ المحاضر في الجامعة الحكومية الروسية للأرصاد الجوية، فاليري مالينين، إنّ "الاعتقاد بصقيع عيدَي الميلاد والغطاس يستند إلى التقاليد وليس إلى تفسيرات علمية. وفي إحدى المرّات، أعدّ اختبار علمي حول دقة المعتقدات الشعبية، فبيّن أنّ تكرّر ذلك لا يتخطّى 55 في المائة، وهو ما يعني أكثر من الصدفة بصورة طفيفة". وعن الأسباب العلمية لموجة الصقيع التي تجتاح روسيا في نهاية يناير/ كانون الثاني، يقول مالينين لـ"العربي الجديد"، إنّه "في المتوسط، يُعد الجزء الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني الأكثر برداً، ويعود الصقيع إلى الهواء البارد الجاف المنبعث من بحيرة كارسك أو المرتفع السيبيري".

وكانت موسكو قد شهدت "صقيع عيد الغطاس" الأكثر قسوة في التاريخ الحديث في عام 2006، حين انخفضت درجة الحرارة إلى نحو 30 درجة مئوية دون الصفر. لكنّ بيانات المؤسسات البحثية، بما في ذلك مرصد جامعة موسكو للأرصاد الجوية، تؤكّد أنّ حرارة الجو في 19 يناير/ كانون الثاني لم تنخفض دون المعدلات الطبيعية إلا في ثلث الأعوام تقريباً.

في ليلة عيد الغطاس، يعمد محبّو المغامرات الروس الأكثر جرأة إلى الغطس في المياه المتجمّدة، وذلك في تقليد شعبي احتفاءً بالمناسبة، علماً أنّ سكان روسيا بمعظمهم من المسيحيين الأرثوذكس. وتفيد أرقام وزارة الداخلية الروسية بأنّ أكثر من 2.4 مليون روسيّ شاركوا في احتفالات عيد الغطاس هذا العام، بينما تولّى نحو 41 ألف رجل شرطة تأمين الكنائس والمواقع المخصّصة للغطس. ويشير المتخصص في علم نفس الأطفال فلاديمير سوبوليف، وهو من ممارسي هواية الغطس في المياه المتجمّدة، إلى أنّ "النزول في ثقب الجليد يؤثّر إيجاباً على الصحة ويعزّز المناعة، شريطة الالتزام بعدد من القواعد والاستعداد لذلك بالطريقة المناسبة".




ويوضح سوبوليف لـ"العربي الجديد"، أنّه "يجب البدء بإعداد الجسم للغطس قبل أسبوع من القيام بذلك. في الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى، يكفي الوقوف على الشرفة بثياب خفيفة لمدّة دقيقة واحدة، على أن يُصار إلى سكب الماء البارد على الجسم - بالوضعية نفسها - في الأيام المتبقية. وقبل الغطس بساعتَين، يجب تناول وجبة دسمة من الطعام لتموين الجسم، إذ إنّه سوف يستنزف كل طاقته لتدفئة نفسه في المياه الباردة، وبالتالي هو بحاجة إلى كلّ سعرة حرارية إضافية".

في السياق، يشير سوبوليف إلى "مجموعة من الخطوات التي من شأنها مساعدة الأشخاص الذين يعمدون إلى الغطس في المياه المتجمّدة على التخفيف من متاعبهم. ومن تلك الخطوات ارتداء ملابس يسهل خلعها وارتداؤها بسرعة ومن دون أزرار، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأحذية. ولا بدّ من إحضار بساط للوقوف عليه قبل الغطس وبعده. أمّا قبل الغطس مباشرة، فمن المفضّل تحمية الجسم عن طريق الجري لبضع دقائق ثمّ النزول تدريجياً في المياه والخروج منها بعد عشر ثوانٍ تقريباً، وهي مدّة كافية للغطس ثلاث مرّات بحسب ما تقتضي التقاليد".

أمّا فوائد الغطس في ثقوب الجليد، فيختصرها سوبوليف قائلاً إنّ "الغطس في المياه المتجمّدة يعزّز المناعة بصورة كبيرة. وهو لا يزيد من قدرة الجسم على التحمّل فحسب، وإنمّا من قدرة النفس كذلك، ويصير المرء واثقاً بنفسه أكثر. بالإضافة إلى ذلك، يتحسّن نمط النوم والمزاج ويشعر الغطاس بأنّ طاقته تضاعفت. ولا ننسى أنّ السباحة في الشتاء تؤخّر شيخوخة الجسم". وفي إطار هوايته، يتولى سوبوليف تنسيق مجموعة معنيّة بالسباحة الشتوية على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي، تضمّ نحو 140 مستخدماً يتشاركون صوراً لهم في خلال غطسهم وكذلك نصائح حول تحسين الصحّة واتباع نمط حياة سليم عموماً.



تجدر الإشارة إلى أنّه وسط تزايد الإقبال على الغطس في المياه المتجمّدة كموضة في روسيا، لم يفوّت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفرصة ليجدّد ظهوره كرجل رياضي رشيق يتّبع نمط حياة سليم. وقد بثّ الكرملين للمرّة الأولى تسجيل فيديو لغطسه في أحد الأديرة في العام الماضي. أمّا هذا العام، فقد شارك بوتين في الغطس بمقاطعة موسكو.
دلالات