هواجس ريف حمص الغربي

22 ابريل 2018
في مدينة الحولة (محمود طه/ فرانس برس)
+ الخط -


تسير الحياة ببطء في منطقة الحولة بريف حمص الشمالي، حيث يستمر مشهد الحصار منذ الخامس والعشرين من أيار/ مايو من عام 2012. إلى جانب الحصار، يعيش الأهالي في خوف دائم من التهجير بعد الذي حدث في الغوطة الشرقية والتجارب الأخرى التي مرّت بها مناطق سوريّة عدّة قبلها.

سمية، من مدينة تلدو الواقعة في تلك المنطقة، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "همّي الأكبر كأمّ لثلاثة أطفال هو صعوبة الحصول على أدوية بسيطة، كالمضادات الحيوية لصغاري". إلى ذلك الهاجس، تتحدّث سمية عن "هاجس الحصول على الغذاء. فتجار المنطقة يتحكمون بالأسعار كيفما أرادوا، مع غياب الضمير وكلّ وازع آخر في أغلب الأحيان، وهو الأمر الذي يجعل الحصول على تلك المواد في فترات الضغط العسكري على المنطقة من قبل النظام السوري، كمن يقصد السوق السوداء لشراء حاجياته، بسبب سياسة الاحتكار". تضيف أنّ "الأمر يزيد العبء عليّ وعلى زوجي، فيساعدنا في بعض الأحيان أقرباء لي خارج سورية".

وعن واقع المنطقة التي يضمّ نسيجها السكاني عرباً وتركماناً والتي تتألف من ثلاث مدن رئيسية وخمس بلدات، يتحدث مدير مؤسسة الحولة الإنسانية عبد الله الصالح مشعل، لـ"العربي الجديد"، شارحاً في البداية أنّ "عدد سكانها حالياً هو نحو 60 ألفاً، من بينهم 54 ألفاً من أبنائها وستّة آلاف نازح من بلدة حربنفسه في ريف حماة الجنوبي". يضيف الصالح أنّ "جغرافيا المنطقة المفصولة طبيعياً عن مدينتَي الرستن وتلبيسة، لعبت دوراً كبيراً في الحصار، إذ إنّ الطريق الوحيد المؤدّي إلى المدينتَين يقع تحت رحمة قوات النظام، الأمر الذي يعرقل في كثير من الأحيان إدخال المواد الإغاثية والغذائية وحتى إسعاف الجرحى".




ويتابع الصالح أنّ "واقعاً شديد الصعوبة في المنطقة ككل وفي مدينة تلدو خصوصاً، فرضته محدودية المداخيل، إذ إنّ التجارة شبه معدومة في المنطقة، وكذلك خسارة مساحة تتجاوز 60 في المائة من الأراضي الزراعية". ويوضح أنّ "أكثر من 1200 موظف معظمهم من أبناء مدينة تلدو مفصولون من أعمالهم الحكومية، وهم أرباب عائلات". ويشير الصالح إلى أنّ "20 منظمة إغاثية تعمل في ريف حمص الشمالي، اثنتان فقط من ضمن منطقة الحولة، في حين تُرفَض مشاريع كثيرة من قبل الجهات الداعمة نظراً إلى أنّ مصير المنطقة في الوقت الحالي مجهول". ويؤكد أنّ "الدعم المقدم من الجهات المانحة تراجع بنسبة 70 في المائة ما بين عام 2016 وعام 2018".

في السياق، يتحدّث أحمد، وهو أحد تجار المنطقة، عن المعابر الإنسانية، مشيراً إلى أنّ "الحصار أرغم بعض التجّار على إيجاد طرق بديلة لإدخال المواد الغذائية وغيرها، ما اضطرهم إلى التواصل مع أشخاص مرتبطين بالنظام وتكوين علاقات معهم تجعل التجار تحت رحمة الأسعار". ويوضح لـ"العربي الجديد"، وقد تحفّظ عن الكشف عن هويته كاملة، أنّ "هذه الطريقة هي الوحيدة للربط بين مناطق النظام والبلدات الموالية له، مع بلدة عقرب في الريف الجنوبي لحماة، علماً أنّ بلدة أكراد إبراهيم ذات الغالبية التركمانية هي المنطقة الحيادية لتوريد السلع. ومنها تُنقل البضائع إلى بلدة عقرب ثمّ إلى بقية مناطق الحولة. لكنّ هذه الطريقة لا تخلو من الخطورة، خصوصاً في حالة التوترات العسكرية".

ومع دخول الحصار على ريف حمص الشمالي عامه السادس، تشتد الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية صعوبة، وذلك مع تراجع القدرة الشرائية للفرد وسط غياب فرص العمل وغلاء الأسعار. وقد دفع الحصار المدنيين إلى العمل بالزراعة من أجل تأمين قوت يومهم، إذ إنّ المنطقة تُعَد من المناطق الزراعية وأرضها خصبة تصلح لزراعة أغلب أنواع الخضار. بالتالي، باتت الزراعة مصدر دخل وسلّة غذائية لأكثر من نصف السكان، مع عودة بعض الأهالي إلى العمل في أراضيهم بعد تركها لسنوات، ودافعهم إلى ذلك الحاجة على الرغم من مشاكل الزراعة الكثيرة.

أبو محمد، من مدينة تلدو، يخبر "العربي الجديد" بأنّه فُصل من وظيفته في إحدى الدوائر الرسمية قبل خمس سنوات، "ولم يعد لديّ مدخول كاف لإعالة نفسي وأسرتي المؤلفة من ستة أفراد. وضاقت بي الأحوال المعيشية لدرجة كبيرة، الأمر الذي دفعني إلى العودة إلى أرضي الزراعية والعمل فيها لتأمين طعامنا على أقل تقدير". وهكذا غدت الزراعة اليوم المصدر الغذائي الأول لأبي محمد وعدد كبير من السكان، مع غياب قوافل المساعدات الإنسانية المخصصة لريف حمص منذ أكثر من ستة أشهر. يُذكر أنّ تلك المساعدات بما تضمه من مواد تموينية كانت تُعدّ رديفة لما يجنيه الأهالي من أراضيهم الزراعية.




من جهته، يشكو عبد الغفار أبو الزين من مصاعب جمّة، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". فهو والد طفلة في الأشهر الأولى من عمرها، "ورعايتها والعناية الطبية بها تحتاج إلى كثير من النفقة. وأنا أتنقل بها من مستشفى ميداني إلى آخر ومن طبيب إلى آخر في كثير من الأحيان، فضعف الكادر الطبي المتوفّر يفاقم معاناتي ويبقيني قلقاً عليها. أنا أخاف من تعرّضها لأيّ مرض طارئ".