بائع الحظّ

13 أكتوبر 2014
لن يشتري من أوراقه، ولن يحلم مثلنا (فرانس برس)
+ الخط -

يدور العجوز السبعيني بجسد متثاقل أنهكته الأيام، حاملاً أوراق الحظ في يده. ذاب نعلاه من كثرة المشي. تعب العجوز، الذي رسمت التجاعيد نتوءات عميقة في وجهه. لكنه لا يملك القدرة على التوقّف عن المشي، ولن يملكها يوماً. يسير بقدرة الفقر الدافعة. هذه قدرة تنهزم أمامها أعتى الآلات العملاقة. لذلك لن يتمكن من التوقّف مطلقاً إلى أن يدركه الرحيل. فكلّ خطوة من خطواته، ولو كانت بطيئة، تعتمد عليها عيون جائعة تنتظره في مكان ما على هذه الأرض. مكان لا يعرفه غيره. مكان عندما يعود إليه في نهاية يومه، ستسأله هذه العيون عمّا "يطفئ" جوعها. لذلك ستكون رحلته هذه، كما دائماً، طويلة.

يخرج العجوز، الذي لا تفارق ابتسامة غريبة وجهه، كل يوم في توقيت ثابت ليبيع الناس حظاً لا يملكه ولا يقترب منه. الابتسامة غريبة لأنها لا تعود مفهومة عندما يحملها هذا الوجه التَعِب. يبيع الحظ للناس، ولأن الناس تعرف أنها ما عادت تمتلك يومها، تشتري احتمال الحظ منه.

مغرية ورقة الحظ. وتصير أكثر إغراءً وجاذبية، كلما تكاثرت أصفارها، فتدخل المرء في مرحلة الانفصال عن كل شيء. في هذه الورقة سحر غريب ودافع لاستحضار الأمل. الأمل فقدناه وانفلت من بين أصابعنا. الأمل الذي مات، الأمل الذي هشّمناه يوم قررنا التخلّي، بإرادة ذاتيّة، عن حقّنا في القتال لأجله، وارتضينا الغرق في عاديّاتنا وتفاصيلنا الممجوجة. التفاصيل نفسها التي نركض خلفها من دون روح. التفاصيل نفسها التي تأكلنا ونتفرّج عليها تأكلنا من دون أن نملك غير التفرّج.

تمسك ورقة الحظ المرء من خياله وترفعه في الهواء لترمي به في مشهد للحياة كما يشتهيها. مشهدٌ يعبق بالراحة والسكينة بعيداً من تفاصيل اليوميات المرعبة في شرقٍ كافر. مشهدٌ لوطنٍ جديدٍ في أرضٍ بعيدة لا حرب فيها ولا دماء، وأفكارٌ ترتّدُ خيراً على صاحبها، وبيتٌ لا تدخله النار ولا يفتقد الماء والضوء.

نعلّق أحلامنا على الغيب، لأننا لا نجرؤ على ارتكاب الأحلام الحقيقيّة أو القدرة على الركض خلفها. نهرب بما تحمله الورقة من عالمنا الحقيقي نحو عالمنا الوهمي الذي نشتهيه. الهرب نحو الأحلام كان دائماً أسهل الطرق. لكنّه يصير واقعاً عندما لا نملك غيره. نصير مجموعة الراكضين خلف أوهامهم.

نأمل في ورقة حظ نعرف أنها لن تصيب يوماً. ويحدث أيضاً أننا لا نشتريها. مع ذلك، نتمسّك بالحلم العصيّ على التحقيق، لا لشيء سوى لأنه لم يتبقَّ لنا غيره.
لنحلم قليلاً على أي حال. نحلم بأننا سنربح ورقة الحظ يوماً على الرغم من كل شيء. أما بائع الحظ العجوز، فليس له سوى المشي. أوراق الحظ خبزه اليومي، وهو لن يقامر بخبزه. لن يشتري من أوراقه، ولن يحلم مثلنا.
المساهمون