اللاجئون السوريّون.. عندما تردّ الجزائر لهم الجميل

17 أكتوبر 2014
يشعر بحنين إلى الوطن (Getty)
+ الخط -
"غداً جيبو معاكم الكتاب تع القراءة"... بصعوبة يفهم أكرم ما تقوله المعلّمة في مدرسة البشير الإبراهيمي في حيّ الشراقة في العاصمة الجزائريّة. فاللهجة الجزائريّة خليط ما بين اللغات العربيّة والفرنسيّة والدارجة.

وأكرم كسواه من الأطفال السوريّين، سيحتاج إلى بعض الوقت للتعوّد على لهجة البلاد واللحاق بالبرنامج التربوي في المدارس الجزائريّة، بعدما سمحت الحكومة لأطفال اللاجئين السوريّين بالتسجيل في المدارس الحكوميّة وخصّصت لهم مكتباً خاصاً للإشراف على ذلك.
شيئاً فشيئاً، بدأ أكرم ومهى ورفاقهما من الأطفال السوريّين، يتأقلمون مع الوضع المعيشيّ والمدرسيّ في الجزائر. بدأوا يتعلمون اللهجة على صعوبتها وخليطها اللغوي، كذلك تعوّدت مدرّستهم على التعامل معهم بطريقة خاصة، من شأنها تسهيل اندماجهم مع زملائهم الجزائريّين الذين يسألونهم عن العقيد أبو شهاب ومعتزّ وغيرهم من أبطال مسلسل "باب الحارة" السوري الذي علقت أسماء أبطاله في أذهان الجزائريّين.

حنين

ولا يخفي أكرم حزنه إذ إنه قضى عيد الأضحى مؤخراً بعيداً عن "الوطن". فطعم العيد في الوطن ليس كطعمه بعيداً عنه وعن الأهل. من جهتها، تشعر عائلة نافع أيضاً بالحنين. هي لجأت إلى الجزائر هرباً من الحرب الدائرة في سورية، تماماً كما العديد من العائلات السوريّة هنا. هي تعيش في أحد أحياء مدينة بوزريعة، في أعالي العاصمة. وقد احتضنها أهالي ذلك الحيّ وقدّموا لها الأضاحي في العيد، ما أنساها ألم الغربة قليلاً وولّد بعض الفرح لدى صغار تلك العائلات.

لكن الوضع يختلف في مخيّم سيدي فرج في الضاحية الغربيّة للعاصمة الجزائريّة، الذي أقامته الحكومة خصيصاً للاجئين السوريّين. وتشكو العائلات السوريّة من عدم اهتمام السلطات الجزائريّة بها، لا سيّما خلال أيام العيد الأضحى، في وقت هم أحوج ما يكونون إلى بعض لحظات من البهجة.

تسوّل

واللاجئون السوريّون لا يتمركزون في العاصمة الجزائريّة فقط. هم ينتشرون في معظم المدن.
في محطة للوقود في مدينة العلمة شرقيّ الجزائر، كانت فاطمة ومعها ابنها الصغير تتوسّل "المحسنين" طالبة منهم مساعدتها بما يمكن، لتسديد إيجار البيت الذي استأجرته في المدينة.
وتروي فاطمة أن زوجها أصيب في الحرب السوريّة، وقد اضطروا إلى الانتقال إلى العاصمة اللبنانيّة بيروت. هناك، تكرّم عليهم أحدهم بشراء تذاكر سفر لهم إلى الجزائر التي لا تفرض تأشيرة دخول على السوريّين. لكن فاطمة لم تجد في الجزائر ما يروق لها، وسط مشكلات البلد المتفاقمة من أزمة سكن وبطالة. فدفعها كل ذلك إلى التسوّل.

الجزائر.. محطّة

وهذه الظروف، دفعت بعدد من اللاجئين السوريّين إلى عبور الحدود الجزائريّة، باتجاه الأراضي المغربيّة. وبعد اجتياز الحدود البريّة المغلقة مع المغرب وبلوغ السواحل، ينتقلون إلى السواحل الإسبانيّة القريبة. لكن، في أكثر من مرّة كان حرس الحدود يمنع اللاجئين السوريّين من العبور إلى داخل المغرب. وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، علقت عائلات سوريّة على الحدود بين الجزائر والمغرب. فبعدما نجحت في التسلّل، ردّها حرس الحدود المغربيّة ووجدت نفسها عالقة في منطقة الشريط الحدودي.

ومؤخراً، بدأت موجة هجرة أخرى للاجئين السوريّين من الجزائر، باتجاه الحدود الليبيّة التي تشهد توتراً. فهؤلاء يسعون إلى بلوغ مدن الساحل الليبي، للإبحار منها في قوارب الهجرة السريّة إلى السواحل الإيطاليّة. وفي خلال الشهر الماضي، أوقفت السلطات الجزائريّة نحو 200 لاجئ سوري كانوا يحاولون عبور الحدود البريّة الجزائريّة-الليبيّة.

فرصٌ

لكن الوضع في الجزائر ليس مأسوياً محضاً، بخاصة بالنسبة إلى السوريّين الميسورين الذين نجحوا في نقل مبالغ ماليّة معهم إلى الجزائر، ولآخرين استفادوا من فرص توفّرت لهم.
محمد الحلبي مثلاً، ترك مدينته حلب وتوجّه إلى الجزائر قبل سنة. لم يكن يملك أي مال يعيل به نفسه، فاستند إلى ابن عمه الذي كان قد سبقه إلى الجزائر والذي كان قد أنشأ ورشة خياطة. عمل محمد عند ابن عمه لفترة، جمع خلالها مبلغاً من المال تمكّن به من شراء ثلاث ماكينات خياطة. وأنشأ بدوره ورشة لخياطة العباءات السوريّة باسم "قرص الأمراء" في حيّ باش جراح في الضاحية الشرقيّة للعاصمة الجزائريّة.

ويخبر أنه بدأ بعد ذلك في استقطاب عدد من الشباب السوريّين الذين وصلوا إلى الجزائر، ممن يتقنون الخياطة. وصار محمد من أهم مزوّدي أسواق العاصمة الجزائريّة بالجباب والعباءات السوريّة والحجابات. محمد سعيد بنجاحه، ويقول إنه ممتنّ للجزائر على استقبالها وتعاونها على الرغم من عدم استيفائه الشروط القانونيّة المطلوبة لإنشاء ورش خياطة وتشغيلها. لكن، وعلى الرغم من فرحته تلك، تخفي عيناه الكثير من الحزن على ما آلت إليه الأوضاع في سورية، والكثير من الألم بسبب مشاهد الموت والدمار في حمص وحلب ودرعا وغيرها. فيقول "لا يمكن لأي سوريّ أن يشعر بالفرحة وفي كل بيت قتيل وجريح".

وغير بعيد عن باش جراح، في منطقة بئر خادم في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة الجزائريّة، فتح رامي -أحد اللاجئين- مطعماً للمأكولات السوريّة. ورامي الذي وصل الجزائر قبل عامَين آتياً من حمص، يشير إلى أن الجزائريّين أحبوا الطعام السوري. ولأنه يحمل همّ مدينته حمص في قلبه، أطلق اسمها على مطعمه. فكان "بوابة حمص".

ردّ جميل

تحصي الجزائر 12 ألف لاجئ سوريّ بحسب الأرقام الرسميّة التي أعلنت عنها وزارة الداخليّة الجزائريّة. وعلى الرغم من بعض المخاوف الأمنيّة وترحيل 31 لاجئاً إلى دمشق قبل شهر، إلا أن احتضان هؤلاء يبقى أكثر من واجب. وذلك، لردّ الجميل لسورية التي احتضنت الأمير عبد القادر الجزائري بعدما نفاه الاستعمار الفرنسي، ولردّ الجميل للسوريّين الذين دعموا ثورة التحرير الجزائريّة، ولردّ الجميل لسورية التي احتضنت لفترة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في منفاه السياسي الاختياري بعد وفاة الرئيس هواري بومدين.
دلالات