دمر حريق هائل أجزاء كبيرة من كاتدرائية نوتردام التي تعود للعصور الوسطى بوسط العاصمة الفرنسية باريس، بعد ظهر اليوم الاثنين بالتوقيت المحلي، مما دفع رجال الإطفاء لإخلاء المنطقة المحيطة بأحد أشهر معالم المدينة، والتي يزورها ملايين السياح كل عام.
وبعد أربع ساعات من مكافحة النيران، استطاع رجال المطافئ، إنقاذ البناء العام للكاتدرائية، وتم كذلك إنقاذ البرجين، كما صرّح جان كلود غالي، رئيس مطافئ باريس.
وأكد المسؤول الفرنسي أن ثلثي السقف التهمته النيران. وأضاف بأن رجاله، وعددهم 400 شخص، سيواصلون محاربة النيران، التي لا تزال مشتعلة، رغم أن حدتها خفت كثيرا. وشرح بأن العمل جارٍ لتأمين كنوز الكاتدرائية ونقلها إلى أماكن آمنة. واعترف جان كلود غالي بإصابة أحد رجال المطافئ بجروح بالغة.
وأعلنت فرق الإطفاء في العاصمة الفرنسية، فجر الثلاثاء، أنّ الحريق أصبح "تحت السيطرة" وتم "إخماده جزئياً". وقال المتحدث باسم فرق الإطفاء، الليفتنانت كولونيل غابريل بلوس، إنه "تمت السيطرة بالكامل على الحريق. لقد أخمد جزئياً، وهناك بؤر لا تزال مشتعلة نعمل على إخمادها".
ولدى تفقّده الكاتدرائية، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد بدا عليه التأثّر أمام ألسنة النيران التي كانت لا تزال مشتعلة، إنّ "الأسوأ تمّ تجنّبه حتى وإن كنّا لم ننتصر في المعركة بعد"، مؤكّداً أنّ "الساعات المقبلة ستكون صعبة"، ثم أضاف: "سنعيد بناء نوتردام".
وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلها رجال المطافئ من أجل مسابقة الزمن من أجل وقف النيران، والتي وصلت إلى أماكن في قلب الكاتدرائية، إلا أن القلق كان كبيرا من احتمال الفشل في إنقاذها.
كما أن من مهام رجال المطافئ أيضا السهر على حماية المصوغات والكنوز الفنية التي توجد في الطابق الأرضي. وقد "تأكَّدَ أنها الآن في مأمَن"، كما أكد المونسينيور شوفي، عمدة نوتردام، "وكثير من اللوحات الصغرى تم إنقاذها، أما اللوحات الكبرى، فمن الصعوبة اقتلاعها وإنقاذها".
ولأن هذا الحريق بمثابة مأساة كبرى تعيشها فرنسا، فقد بدأت تتولد قناعة لدى الجميع، من رجال دين وسياسيين، بأنه يجب التفكير في إعادة تشييد الكاتدرائيةوأنه، وأنه بالفعل يجب إطلاق أعمال صيانة قد تدوم سنوات، كما أكد رئيس مؤتمر قساوسة فرنسا، إيريك دي مولنس-بوفور، معتبراً ما حدث "خسارة تحمل جرحاً كبيراً". وقد أطلقت "مؤسسة التراث" حملة تبرعات، تبدأ غدا، وهي مفتوحة أمام الكاثوليكيين وغيرهم، من أجل إعادة تشييد الكاتدرائية. كما أن النائب في مجلس الشيوخ عن حزب "الجمهوريون"، برونو روتايو، عبّر عن موقف مشابه.
وقررت السلطات الأمنية بعد اندلاع الحريق وقف حركة المراكب السياحية في نهر السين، بالقرب من نوتردام.
إلى ذلك، تُواصل الطبقة السياسية الفرنسية كلها التعبير عن الحزن، وعن المأساة والخسارة الكبرى. وهو حزن يتجاوز المكانة التي تحتلها الكاتدرائية في قلوب الكاثوليكيين والمسيحيين، فهي خسارة لفرنسا ولأوروبا والعالم، خسارة التاريخ والفن والتسامح في العالم بأسره. وهو حزنٌ عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس حكومته، وأيضا نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند وجان لوك ميلانشون ومارين لوبان وفرانسوا فيون وآن هيدالغو وغيرهم.
وفي وقت سابق الاثنين، أعلن إيمانويل غريغوار، مساعد رئيسة بلدية باريس، أن برج الكاتدرائية انهار بعدما التهمته النيران، لافتا إلى وقوع "أضرار هائلة"، وأضاف في تصريح تلفزيوني: "هناك فريق خاص يحاول إنقاذ كل التحف الفنية، والأولوية لتأمين محيط المكان بهدف حماية السياح من أخطار الانهيار".
وامتد الحريق، الذي اندلع في وقت مبكر من مساء اليوم، إلى سطح الكاتدرائية، وسرعان ما التهم قمة البرج العملاق للكاتدرائية الذي انهار على أثر ذلك، ثم سقط السطح كله.
وغطت سحابة دخان كبرى سماء المدينة، فيما تساقط الرماد على مساحة واسعة حول الكاتدرائية. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على "تويتر": "مثل كل أبناء وطننا، أنا حزين هذا المساء لرؤية (الكاتدرائية)، وهي جزء منا جميعا، تحترق".
وحاول رجال الإطفاء احتواء الحريق بخراطيم المياه وأخلوا المنطقة المحيطة بالكاتدرائية الواقعة في وسط باريس، كما جرى إخلاء المباني القريبة. وقال وزير الدولة الفرنسي للداخلية، لوران نونيز، إنه لم يصب أي شخص جراء الحريق، مضيفا "من السابق لأوانه تحديد الأسباب".
ويعود بناء الكاتدرائية إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وهي مدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) للتراث العالمي، وقالت رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، للصحافيين في موقع الحريق: "يوجد الكثير من الأعمال الفنية داخلها. إنها مأساة حقيقية".
ويمكن رؤية دخان يتصاعد من أعلى الكاتدرائية في حين انتشرت ألسنة اللهب على جانب برجيها، ولم يتضح على الفور السبب في اندلاع الحريق، وذكرت قناة فرنسا2 التلفزيونية أن الشرطة تتعامل مع الحريق على أنه حادث.
وقال مسؤول في قصر الإليزيه، إن ماكرون ألغى كلمة كان من المقرر أن يلقيها على الأمة اليوم الاثنين، حول سلسلة إجراءات يعتزم اتخاذها للرد على المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمحتجين من حركة "السترات الصفراء"، بسبب "الحريق المروع" الذي يندلع في كاتدرائية نوتردام، وتوجه إلى موقع الكاتدرائية القوطية، التي تعد رمزا لباريس.
Twitter Post
|
وفي وقت سابق، أفادت فرق الإطفاء أن الحريق "مرتبط على الأرجح" بأعمال ترميم، فيما قال متحدث باسم الكاتدرائية التي يزورها نحو 13 مليون سائح كل عام، إن الحريق اندلع قرابة الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي.
من جهته، وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحريق بأنه "فظيع"، واقترح استخدام طائرات مخصصة لمكافحة الحرائق. وكتب على موقع "تويتر": "إنه أمر فظيع للغاية مشاهدة النيران الهائلة في كاتدرائية نوتردام في باريس. ربما يمكن استخدام طائرات مكافحة الحرائق لإخمادها. يجب التصرف بسرعة".
Twitter Post
|
Twitter Post
|