البحث المدرسي... مشاريع تربك المصريين

11 مايو 2020
مشهد الامتحانات لن يُسجّل هذا العام (آن هرمس/ Getty)
+ الخط -

في كلّ موسم امتحانات مدرسية، يجد المصريون أنفسهم مربكين لسبب أو آخر. اليوم، وسط أزمة كورونا، ثمّة إرباك من نوع آخر مع فرض بحث مدرسي على التلاميذ. وقد وصل الأمر ببعض المدرّسين إلى حدّ إجبار أولياء الأمور على شراء أبحاث.

تستمرّ المدارس المصرية بتسلّم مشاريع البحث المدرسي لتلاميذ المرحلتَين الابتدائية والإعدادية حتى الخامس عشر من مايو/ أيار الجاري، وذلك كبديل لامتحانات نهاية العام، بسبب تعطيل الدراسة على خلفية تفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد. لكنّ هذا البحث المدرسي يمثّل أزمة في معظم البيوت، لأنّ مدارس كثيرة، حكومية وخاصة، راحت ترفض تسلّمه بزعم أنّه غير مكتمل. بالتالي، جعل ذلك أولياء الأمور "كعب داير"، خصوصاً الفقراء منهم الذين لا يستطيعون شراء الأبحاث من المكتبات نظراً إلى ظروفهم المادية. كذلك رُفض البحث المدرسي في أحيان أخرى لأنّه مكتوب بخطّ اليد، على الرغم من أنّ قرار وزارة التربية والتعليم واضح في هذا الإطار ويطلب من المدارس قبول كلّ مشاريع الأبحاث سواء أكانت مكتوبة بخطّ اليد أو مطبوعة.

وقد وصل الأمر بعدد من المدرّسين إلى حدّ إجبار أولياء الأمور على شراء أبحاث من المكتبات المحيطة بالمدارس والتي يتعاملون معها في مقابل بدل مالي. ويمكن للأهل أن يختاروا واحداً من الأبحاث المطبوعة والمتعلقة بالسياحة أو الصحة أو الطاقة أو المياه للمرحلة الابتدائية، وتلك المتعلقة بالبيئة أو الزيادة السكانية والأمن الغذائي أو تحسين البيئة العلمية أو التكنولوجيا للمرحلة الإعدادية، بتكلفة تصل أحياناً إلى مائة جنيه مصري (نحو ستة دولارات أميركية) للبحث الواحد في مكتبات المناطق والأحياء الشعبية، وربّما تتخطّى ذلك في الأحياء ذات المستوى المعيشي الأعلى.

يقول موجّه في التعليم بالقاهرة لـ"العربي الجديد" إنّ "الكارثة الكبرى تكمن في أنّ تلك المكتبات الواقعة في جوار المدارس بالمحافظات المصرية والمتعاقدة مع عدد من المدرّسين على كتابة الأبحاث، تبيع أبحاثاً متشابهة في ما بينها لتلاميذ المرحلتَين الابتدائية والإعدادية، وهو ما يعني رسوب تلاميذ كثيرين بسبب مخالفة قرارات وزارة التربية والتعليم القائلة بعدم تجاوز معدّي البحث الواحد خمسة أفراد". ويشرح أنّه "على سبيل المثال، قد تبيع مكتبة ما بحثاً عن البيئة لأكثر من مائة تلميذ في المرحلة الابتدائية، والأمر نفسه بالنسبة إلى بحث عن الزيادة السكانية مثلاً لتلاميذ المرحلة الإعدادية. وربّما يكون عدد من المدرّسين قد وزّعوا أبحاثهم على أكثر من مكتبة، نظراً إلى أنّ تلك الأبحاث موحّدة على مستوى الجمهورية". وكان وزير التربية والتعليم المصري طارق شوقي قد أصدر قراراً قبل مدّة يتعلق بأبحاث التلاميذ في مدارس مصر، أوضح فيه أنّه في حال قامت مجموعة من التلاميذ بإعداد بحث مدرسي مشترك، لا يجوز أن يتخطّى عدد أفرادها الخمسة تلاميذ. يضيف القرار نفسه أنّه يتوجّب على معدّي البحث المدرسي أن يدوّنوا في مقدّمته أسماءهم كلّها.



من جهته، يعيد مصدر مسؤول في وزارة التربية والتعليم "حالة التخبّط التي تشهدها المدارس إلى عدم معرفة التلاميذ كتابة الأبحاث، لأنّها المرّة الأولى التي يُطبَّق فيها ذلك، في ظروف حساسة تمرّ بها البلاد". يضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أنّ "الوزارة لا تملك الاستعدادات الكافية لمواجهة الطوارئ والوزير شوقي يريد الخروج من تلك الأزمة بأيّ طريقة. وعلى الرغم من أنّه لا رسوب في الأبحاث، فإنّه لا يستطيع الإفصاح عن ذلك، إذ من شأن ذلك أن يؤدّي إلى عدم الاهتمام بمشاريع البحث". ويتابع أنّ "المشكلة الكبرى هي أنّ وزارة التربية والتعليم والجهات السيادية على علم بما يحدث في الشارع من غليان بسبب الأبحاث، فيما المدارس الحكومية والخاصة تبيع وتشتري في أولياء الأمور كيفما تشاء، كأنّما هي تنتقم منهم بعد تعطيل الدراسة ووقف الدروس الخصوصية".

ويشير المصدر المسؤول نفسه إلى أنّ "المدارس الخاصة تؤدّي دوراً كبيراً في تعطيل استلام الأبحاث، رغبة من مدرّسيها في استنزاف أموال أولياء الأمور. فعمل المدرّسين فيها توقّف وخُفّضت رواتبهم أكثر من 50 في المائة، وهم بالتالي يحاولون تعويض خسائرهم المادية بكلّ الطرق الممكنة". ويصف الازدحام أمام المكتبات بـ"المهزلة"، شارحاً أنّ "وليّ الأمر يقصد مكتبة لشراء بحث فيعرض عليه صاحب المكتبة المتوفّر لديه، من دون أيّ تدخّل من قبل التلميذ الذي لا يعرف شيئاً عن المحتوى. وهو ما يعني فشل المنظومة التعليمية. وكان الأجدر بالوزارة أن تلغي امتحانات كلّ مراحل النقل والاكتفاء بالشهادات فقط رحمة بأولياء الأمور والتلاميذ ولتجنيهم تلك البهدلة ما بين المكتبات والمدرّسين".

ويشغل البحث المدرسي تفكير أولياء الأمور خوفاً من ضياع سنة من حياة أولادهم نتيجة الرسوب، وهو ما جعلهم في حالة من القلق. في هذا الإطار، يقول محمد كمال لـ"العربي الجديد" إنّ لديه ابناً وبنتاً في الثالث الابتدائي والثاني الإعدادي، وكلاهما في مدرسة خاصة، مشيراً إلى أنّه "بعد محاولات مستميتة وبالواسطة تمكّنت من تسليم بحث ابنتي. أمّا بحث ابني فأدخلني في أزمة ودوخة، إذ لم أتمكّن حتى اليوم من تسليمه". ويشرح كمال: "سلّمنا البحث في موعد التسليم الأوّل (قبل ثمانية أيام) وهو حول الزيادة السكانية والأمن الغذائي، فطلب منّي المدرّس مستلم البحث أرقاماً تتعلّق بالزيادة السكانية بحلول عام 2030. وبعد إجراء التعديل، فوجئت بإغلاق المدرسة عند الظهر. وفي اليوم التالي، كان مدرّس آخر يتسلّم الأبحاث بسبب المداورة على خلفية أزمة كورونا. فرفض الأخير البحث بحجّة عدم تضمّنه رسماً بيانيّاً، وطلب القيام بمقادير جبرية ولا أحد يعرف معنى ذلك. فاطلعت على أحد الأبحاث التي تباع في المكتبات، لكنّني لم أجد فيها المعلومات المطلوبة".



أمّا فاطمة فتخبر "العربي الجديد" أنّها أرادت تسليم أبحاث أولادها الثلاثة، وهم في الثالث والخامس الابتدائيَين وفي الأوّل الإعدادي، لكنّ المدرّس الموكل تسلّمها رفض ذلك بحجّة أنّها "مكتوبة بخط اليد". تضيف أنّ "جدالاً دار بيننا وأرشدني المدرّس إلى إحدى المكتبات المجاورة لكنّني رفضت وقلت له إنّ ذلك سوف يكلّفني كثيراً من المال وزوجي موظف بسيط في القطاع الخاص. فأجابني المدرّس: إحنا مش بنبيع البيض". من جهتها، تشكو إيمان فوزي لـ"العربي الجديد" من أنّها لم تكمل تعليمها وزوجها عامل ولديهما ابن في الرابع الابتدائي. تضيف: "ولأنّني لا أعرف شيئاً عن الإنترنت، اشتريت بحثاً لابني خوفاً من ضياع مستقبله، على الرغم من أنّنا نعيش تحت خطّ الفقر". بالنسبة إلى شيماء محمد، فقد رفضت في البداية شراء بحثَين لولدَيها في المرحلتَين الابتدائية والإعدادية لظروف زوجها الاقتصادية، بحسب ما تخبر "العربي الجديد". لكن في النهاية، "رضخت للأمر واشتريت البحثَين بعدما اقترضت المبلغ ودلّني أحد جيراننا على مكتبة". وتؤكد أنّ "البحث المدرسي بيزنس جديد يستغله بعض المدرّسين والمكتبات لسلب أموال أولياء الأمور الذين بمعظمهم لا يعرفون كيفية إعداد الأبحاث".